العدد 1539 /30-11-2022

وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مساء أمس الثلاثاء، إلى العاصمة الأميركية واشنطن، في "زيارة دولة" هي الثانية له إلى الولايات المتحدة، بعدما استقبله الرئيس السابق دونالد ترامب، في نيسان 2018، بالتكريم ذاته، خلال ولاية ماكرون الأولى.

وفي كلتا الزيارتين، السابقة والحالية التي سيلتقي فيها نظيره الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض، يحظى ماكرون مرتين بـ"شرف" أن يكون أول رئيس أجنبي يستقبله رئيس أميركي خلال ولايته في "زيارة دولة"، ما يعكس روح "الصداقة الأميركية - الفرنسية" التاريخية، التي سيعوّل ماكرون عليها، لوضع الخلافات والاختلافات على ضفتي الأطلسي جانباً، والتوصل خلال قمّته مع بايدن المقررة غداً الخميس، إلى تفاهمات معيّنة حول جملة من المسائل، التي يرى الفرنسيون أنها ذات أولوية لأوروبا. ويتصدر ذلك الشعور المتنامي لدى الأوروبيين بأن الولايات المتحدة تستفيد من تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا على حسابهم، وهو ما سيحاول ماكرون العودة إلى باريس بتنازلات حوله.

ويجعل ذلك من قانون خفض التضخم الذي مرّره الديمقراطيون في الكونغرس في آب الماضي، أول بند على جدول أعمال الرئيسين الأميركي والفرنسي خلال قمّتهما، على أن تحتل المسألة الصينية حيّزاً مهماً من النقاش، بالإضافة إلى المصالح الفرنسية في أفريقيا.

ولم يكشف الإعلام الفرنسي أو الأميركي، عن أي مبادرة يحملها ماكرون، الداعي إلى مواصلة الحوار مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى واشنطن، لاستئناف التفاوض ووقف الحرب، لكن حديث الأميركيين أخيراً عن ضرورة عودة التفاوض قد يكون مشجعاً. وتجعل الأولويات الفرنسية، التي تهمّ القارة، شؤوناً أخرى متعلقة بالشرق الأوسط، وبعض الأزمات العالقة، كالجمود الحاصل على صعيد الملف النووي الإيراني، المترافق مع ضغط غربي بما يتعلق بملف الاحتجاجات الإيرانية، أو الفراغ الرئاسي في لبنان وأزمته المستحكمة، يتراجع إلى مرتبة خلفية.

ويلتقي الرئيسان الأميركي والفرنسي، يوم الخميس في البيت الأبيض، كما يلتقي ماكرون، الذي يرافقه عددٌ كبير من الوزراء والمستشارين إلى الولايات المتحدة، نائبة الرئيس كامالا هاريس، فيما سيتوجه أيضاً إلى مدينة نيو أورليانز، في ولاية لويزيانا، في زيارة تُعنى بالفرنكوفونية.

وخلال لقائه بايدن، يتحضر الرئيس الفرنسي لأن يضع جانباً الخلاف الأميركي – الفرنسي الذي طغى على انطلاقة عهد الرئيس الديمقراطي في بداية 2021، والمتعلق بإطاحة تحالف أمني أنشأه بايدن مع أستراليا (بالإضافة إلى بريطانيا)، بصفقة غواصات نووية كانت باريس على وشك إبرامها مع كانبيرا.

ولهذه الأسباب، وبناء على هذه "الانتكاسة" التي أثّرت على علاقات البلدين، لم يحتفل الإعلام الفرنسي كثيراً، بالزيارة، رغم شرف "التكريم" الذي سيحظى به ماكرون في البيت الأبيض، علماً أن التشاؤم الفرنسي، يستمد أيضاً أسبابه من تمدّد الحرب الروسية – الأوكرانية في الوقت، وتداعياتها الصعبة على مستوى المعيشة في القارة، التي يرى الأوروبيون أنها تتراجع سريعاً، فيما لا تبدو الولايات المتحدة متضرّرة من الحرب بالحجم ذاته.

وقد يكون في كلام مسؤول أميركي رفيع أمس، لوكالة "فرانس برس"، تأكيد على الهواجس الفرنسية، إذ رأى أنه "قد يكون هناك تقدم ملموس في بعض الجوانب، لكن هذه الزيارة هي حول العلاقة الشخصية، علاقة التحالف مع أوروبا". ويعني ذلك أن الوحدة الأوروبية – الأميركية في وجه التهديدات الروسية والصينية، سيكون مطلوباً إظهارها إثر اللقاء. لكن مستشاراً لماكرون، قال للوكالة: "نحن حليفان لكن ليس على الموجة ذاتها"، متحدثاً عن مباحثات مع بايدن ستحمل "تحدياً فرنسياً".

وبينما لم يصل الإعلام الفرنسي، تعليقاً على الزيارة، إلى حدّ التهويل بحرب تجارية أوروبية – أميركية، إذا ما فشل ماكرون في إقناع نظيره الأميركي بإعفاء الشركات الأوروبية من تداعيات قانون خفض التضخم، الذي صوّت عليه كل الديمقراطيين في الكونغرس، وعلى رأسهم الجناح التقدمي، إلا أن موقع "بوليتيكو" الأميركي، حذّر أمس، من احتمالية اندلاع هذه الحرب، التي قد يبدو صعباً تجنبها إذا ما فشل اللقاء.

ويرى الأوروبيون، بشكل عام، وعلى رأسهم ألمانيا وفرنسا، أن حزمة الدعم المالي السخي والإعانات التي يمنحها قانون خفض التضخم للمُصنّعين الأميركيين، سيوجّهان ضربة قاصمة للشركات الأوروبية، التي تعاني أصلاً اليوم من ارتفاع تكلفة الطاقة جرّاء الغزو الروسي لأوكرانيا. ولا يشمل القانون فقط استثمارات ضخمة في قطاع الطاقة ولصالح المناخ، بل دعماً مالياً سخياً وإعانات للسيارات الكهربائية والبطاريات ومشاريع الطاقة المتجددة، ما يعني تضرّر صناعة السيارات الألمانية، وقطع الغيار التي توفرها فرنسا، من القانون، بشكل خاص.

ويرى الأوروبيون أن القانون الأميركي مجحف بحقّهم، وهو ما سيعمل ماكرون على محاولة تقليصه، بطلب إعفاءات أميركية من تداعيات القانون، على غرار الإعفاءات الأميركية من الضرائب الممنوحة لكندا أو المكسيك.

وفي الوقت الحالي، تثير أسعار الغاز الطبيعي المسال الأميركي المرتفعة التي يتكبدها الأوروبيون، والتي تعوض عن الغاز الروسي الرخيص، غضب دولهم، فيما تعاني فرنسا من ذلك بشكل خاص، مع توقف محطاتها النووية، ما أدى إلى خفض توليد الطاقة منها. ويدرك الرئيس الفرنسي جيّداً صعوبة تراجع بايدن عن هندسة قانون خفض التضخم، بل إن الكونغرس الجديد المقبل، بمجلس نواب جمهوري، قد لا تكون لديه الرغبة كثيراً بتعديله، أو التخفيف عن كاهل الشركات الأوروبية، ما يدفع الرئيس الفرنسي إلى التشدد في الدفاع عن المصالح الأوروبية.

أما بالنسبة إلى العلاقة مع الصين، والاختلاف الأميركي – الأوروبي حول نسبة التشدد حيالها، فاعتبر المسؤول الأميركي الرفيع الذي تحدث لوكالة "فرانس برس"، أن "مواقف الأوروبيين ليست متشابهة، لكنني أعتقد أن هناك موقفاً قوياً يتحدث عن ضرورة أن يكون لنا رد منسّق وواحد تجاه الصين".

ورأى نائب مدير مركز "جي أم أف" البحثي، في مكتب باريس، مارتان كوينسز، لـ"فرانس برس"، أن "هناك فرصاً هائلة للتعاون بين إدارة بايدن وحكومة ماكرون، لكن لأسباب كثيرة، فإن التعاون والتنسيق لم يسيرا بالشكل المطلوب حتى الآن".

من جهتها، رأت سيليا بيلين، الباحثة في معهد "بروكينغز"، للوكالة، أن الزيارة "قد تكون تتويجاً للجهود الأميركية في محاولة إرضاء حليف أطلسي يعد من أقوى الأصوات الداعية إلى الاكتفاء الأوروبي الإستراتيجي". وأضافت أنه "ليس سهلاً دائماً إرضاء الفرنسيين، لكن عندما يتفق الفرنسيون والأميركيون، فإن الأمور تتقدم بشكل أسرع".