د. وليد عبد الحميد

انتهيت للتو من قراءة الكتاب الذي أخذ حيّزاً من الضجة في الولايات المتحدة وخارجها، وقبل الدخول في تفاصيل الكتاب يمكنني تحديد أهم سماته العامة في الآتي:
1- يغلب على مادة الكتاب سرد الوقائع بلغة صحفية وبتداخل غير منظم بين هذه الوقائع، فهو أقرب لمن يصف مشاجرة جماعية فيها أطراف عديدة.
2- الفكرة المركزية للكتاب هي محاولة إثبات ان الرئيس دونالد ترامب:
أ‌- لا يقرأ الدراسات او التقارير ولا حتى ملخصاتها، ولا يستمع أو يولي اهتماماً بالخبراء.
ب‌- دور زوج ابنته وعدد آخر محدود من المقربين في اتخاذ القرارات أكبر مما يبدو من الخارج.
ت‌- لا يولي أي اهتمام لمن يتحدث، ويمل من الاستماع، ويحاول ان يحتكر الحديث لنفسه.
ث‌- لدية جهل تام بالسياسة بشكل عام، والخارجية منها بشكل خاص.
ج‌- سوقي الى أبعد الحدود في تصرفاته وأحاديثه.
ح‌- المرأة بالنسبة إليه «موضع لذة» فقط.
خ‌- غير قادر على التمييز بين مقتضيات القرار السياسي ومقتضيات القرار التجاري.
3- في المرتبة الثانية من موضوعات الكتاب تقف مسألتان مهمتان هما:
أ‌- دور الدولة العميقة وتأثيرها في مسار الدولة وهيئتاها، الأمر الذي لا يدركه ترامب وقد تلفظه في نهاية المطاف.
ب‌- الفوضى الإدارية ولا سيما في اشخاص صنع القرار والتغيير المتواصل لهم.
4- يقدم الكتاب عدداً من التفسيرات لموضوع الدور الروسي في الانتخابات الأمريكية، لكنها كلها اقرب لإدانة ترامب.
5- لم يحظ الشرق الأوسط إلا بقدر يسير جداً جداً من موضوعات الكتاب، وقد حاولت جمع كل ما كتب عن فلسطين والخليج وإيران ومصر وإسرائيل، ووجدت ان كل ما ورد لا يزيد على ثلاث صفحات من أصل 306 صفحات هي متن الكتاب يضاف لها حوالي 21 صفحة فهارس...الخ.
6- يغلب على مستشاريه الموقف العدائي من الصين بل إن بعضهم رآها تكراراً للنموذج النازي.
تفاصيل الكتاب
يبدأ الكتاب في احد صفحاته بعرض اسماء الكتب التي سبق للمؤلف نشرها، والكاتب معروف بأنه اعلامي متخصص في «الفضائح»، ثم يتم تتبع موضوعاته في 22 جزءاً، ويشير الكاتب إلى أن كتابه خلاصة مناقشاته لمدة عام ونصف مع ترامب وموظفيه واصدقائه قبل الانتخابات وخلالها وبعد توليه الرئاسة، مشيراً إلى انه بالرغم من عداء ترامب للصحافة فهو الأكثر اتاحة لها للوصول إلى البيت الأبيض، أما مصادر معلومات الكتاب فهي إما من أشخاص ذكرهم بشكل صريح أو نقلاً عن آخرين طلبوا منه التحفظ على أسمائهم أو من وسائل الإعلام الأخرى ولا سيما الصحف الكبرى مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست وغيرهما من القنوات الفضائية، لا سيما فوكس نيوز وغيرها. 
يشير الكتاب في مواضع عديدة للشكوك التي دارت حول احتمال عدم نجاحه في الانتخابات، بينما كانت زوجته رقم 3 الأكثر تفاؤلاً في هذا الجانب، رغم ان هذه الزوجة لا تعرف كثيراً عن علاقات وأعمال زوجها لأنه لا يلتقي بها كثيراً، وينقطع عنها أحياناً لأيام وبشكل متكرر.
ويتحدث الكتاب عن علاقاته الشخصية ودور العلاقات الضيقة أو الأصدقاء، ويلقي قدراً من الشك حول دور ترامب في تأليف كتابه الموسوم The Art of the Deal ويرى ان الشخص الآخر المشارك في تأليف الكتاب هو المؤلف الحقيقي. ويصف الكاتب ترامب حرفياً بأنه (صفحة 33): «إن عقله غير قادر على أداء المهمات الأساسية في وظيفته الجديدة، وليس لديه القدرة على التخطيط والتنظيم وإيلاء الاهتمام والتركيز، وليس قادراً بأي شكل على تكييف سلوكه ولا تحديد الأهداف المطلوبة بشكل معقول، ولا يمكنه حتى الربط بين السبب والنتيجة».
ويشير الكاتب في الصفحات من 49 الى 63 الى مسألة الدولة العميقة والنصائح التي قدمت لترامب مع توليه المنصب الرئاسي بخاصة تجنب الصدام مع رجال المخابرات والصحافة ورجال الكونغرس ..الخ وتتضح هذه المسألة في عرض المؤلف لكتاب عنوانه The Best and the Brightest، وثمة إشارات إلى علاقات كيسنجر مع كوشنير وهو زوج ابنة ترامب ومبعوثه لتسوية النزاع في الشرق الأوسط، ويعود الكتاب للإشارة إلى هذه المسألة وبعض تفاصيلها في صفحة 85، بل إن كيسنجر يصف كوشنير بأنه سيكون كيسنجر الجديد (صفحة 148)، ويشير الكتاب إلى ان لنتن ياهو صلة صداقة قديمة مع عائلة كوشنير. 
ويشير الكتاب إلى ان والد ترامب كان متهماً بمعاداة السامية، ولكن ترامب بنى امبراطويته في نيويورك الأكثر حضوراً لليهود، وهنا تداخلت علاقته مع رأس المال اليهودي.
ما بقي من الكتاب هو عرض للخلافات بين أعضاء فريق ترامب أو بينه وبين فريقه، أو عرض لبعض القرارات التي اثارت جدلاً مثل: قانون الرعاية الصحية أو موضوع المناخ أو العلاقة مع أوروبا...الخ.
أما الموضوعات العربية فقد وردت على النحو الآتي:
1-واقعة ضرب خان شيخون السورية بالكيماوي في 4 نيسان: وهنا يشير الكتاب إلى أن من الصعب معرفة رد فعل ترامب في مثل هذه المواقف ولا سيما مع نقص الخبرة في السياسة الخارجية وعدم ميله إلى الاستماع للخبراء، ويشير إلى ان موظفيه  وخاصة ابنته وضعوه عدة مرات أمام مشاهد لطفل يخرج زبداً من فمه، فاتخذ قراره  بضرب القاعدة السورية.
2- موضوع علاقاته بمحمد بن سلمان يصفها الكتاب على لسان عدد من المسؤولين بأنها نتيجة لـ«لقلة معرفتهما مع بعضهما» فهو يقول حرفياً:
Knowing little made them oddly comfortable with each other.
وعندما عرض  بن سلمان نفسه على كوشنر، كان ذلك أشبه بمقابلة شخص لطيف في أول يوم تطأ فيه قدماه المدرسة، و«كان ذلك نوعاً من الدبلوماسية الهجومية. كان محمد بن سلمان يستخدم احتضان ترامب له كجزء من لعبة السلطة التي كان يمارسها داخل المملكة رغم أن البيت الأبيض ظل ينفي الأمر، إلا أنه سمح بمواصلة ذلك».
3- موضوع إيران: يشير الى ان هناك اربع قوى في الشرق الأوسط، هي إسرائيل ومصر والسعودية وإيران.. الثلاث الأولى يمكن ان تتحالف ضد الرابعة وتضغط على الفلسطينيين للقبول بصفقة، وثمة إشارة إلى ان السعودية ستموّل وجوداً عسكرياً أميركياً جديداً في السعودية ليحل محل القيادة الأميركية الموجودة في قطر، وأن وصول محمد بن سلمان إلى منصبه هذا بعد تنحية محمد بن نايف المريب، جعل الأمر بأن الولايات المتحدة اعتبرت أنها وضعت بن سلمان «في القمة».
ويشير الكتاب إلى أن السعودية أنفقت على زيارة ترامب للسعودية 75 مليون دولار.
كما نقل الكتاب كلاماً لمستشار البيت الأبيض السابق ستيف بانون يقول فيه: «لتأخذ الأردن الضفة الغربية ومصر قطاع غزة» ويعكس الكتاب وجهة نظر ترامب في ان قطر تقدم الدعم المالي للجماعات الإرهابية... غير أن بعضاً من أفراد العائلة السعودية الحاكمة فقط هم الذين قدموا مثل ذلك الدعم».
4- نقل السفارة الأمريكية إلى القدس: يشير الكتاب إلى حديث مساعد ترامب ستيف بانون يقول فيه: «سننقل السفارة الأميركية إلى إسرائيل في اليوم الأول». 
الخلاصة
إذا كان 50% من الوقائع المذكورة في الكتاب –بخاصة حول سلوك وشخصية ترامب- صحيحة، فإن الأمر العجيب هو كيف لدولة بحجم وقوة الولايات المتحدة وبنخبتها العلمية والفكرية ان تقبل برئيس بهذه السوقيّة، ومشغول «بكيف يصطاد زوجات أصدقائه ويأخذهن إلى السرير».. والأعجب من ذلك هو الأساس الذي ينحني له الزعماء العرب أمامه، بينما يبصق عليه الرئيس الكوري الشمالي صبحاً ومساءً.. فيرد باستعداده للقاء ذلك الرئيس الكوري... ولا تعيره الصين أي اهتمام.. ويدير بوتين سياساته مستغلاً وجود هذا التائه.. وتبدي أوروبا قلقاً من تصرفاته ورعونته.. بينما ينفق العرب على ضيافته لليلة واحدة 75 مليون دولار... إني أتنفس تحت الماء.}