خليل العناني

يقول الخبر، إن مؤسسة الأزهر ودار الإفتاء المصرية أعدّتا قائمة بنحو خمسين من علماء الدين الذين يحق لهم الفتوى على القنوات الفضائية في مصر. وفي نسخة أخرى من الخبر، فإن رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، مكرم محمد أحمد، قام بالاتفاق مع الأزهر ودار الافتاء، بعد لقاءات متعددة، بالعمل على «قصر الافتاء بالفضائيات ووسائل الإعلام على 50 عالماً فقط». وفي حيثيات الخبر، فإن الهدف من الخطوة هو تقنين إصدار الفتاوى على الفضائيات المصرية، ووضع حد لـ«فوضى الافتاء عبر شيوخ الفضائيات»، وذلك حسب عضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، حاتم زكريا. 
تقتصر قائمة الخمسين «المحظوظين» على عدد من شيوخ الأزهر وعلمائه، ولم تشمل أياً من العلماء الآخرين، سواء غير المنتمين إلى الأزهر، كشيوخ السلفية والشيوخ المستقلين، أو من شيوخ الأزهر الذين لا يرتبطون بعلاقة جيدة مع النظام الحالي، كما هي الحال مع العالم الأزهري المعروف ورئيس مجمع اللغة العربية، الشيخ حسن الشافعي.
وتبدو المفارقة في أن القائمة لم تشمل بعض علماء ودعاة الدين المعروفين بدعمهم النظام الحالي، ومنهم أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر الدكتور سعد الدين الهلالي، الذي كان قد شبّه الجنرال عبد الفتاح السيسي ووزير داخليته السابق محمد إبراهيم بأنهما من الرسل، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الشيخ خالد الجندي، وأستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر مبروك عطية، والعميد السابق لكلية البنات بجامعة الأزهر سعاد صالح. فضلاً عن عشرات من شيوخ السلفية، سواء العلمية أو المدخلية، الذين دعموا ولا يزالون، النظام الحالي الذي يقوم الآن بتهميشهم وإقصائهم، وتحديد نشاط بعض دعاتهم ورموزهم.
يتماشى الخبر المشار إليه مع مشروع قانون جديد تجري مناقشته في البرلمان المصري بشأن تنظيم الفتوى العامة، أعدته ووافقت عليه لجنة الشؤون الدينية في مجلس النواب، الذي يقصر مسألة إصدار الفتاوى على أربع جهات: هيئة كبار العلماء، ودار الافتاء المصرية، ومجمع البحوث الإسلامية، والإدارة العامة للفتوى في وزارة الأوقاف. ولا يمكن غير العاملين في هذه المؤسسات القيام بالفتوى، وإلا يتعرّض للحبس والغرامة. 
وعلى الرغم من أن مسألة تنظيم الفتوى في مصر تبدو أمراً مهماً وضرورياً، خصوصاً في ظل حالة الفوضى التي تهيمن على السوق الدينية والفضائية في مصر، إلا أن تحديد من يحق ولا يحق له الفتوى، ولا سيما في المجال العام، يعدّ استمراراً لمحاولات الدولة، ليس فقط السيطرة على المجال الديني، ولكن السيطرة على علماء الدين. وإذا كان هذا الأمر معروفاً منذ وقت طويل، وخصوصاً بعد تأميم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الأزهر والتحكم في أوقافه، إلا أنه بات أكثر وضوحاً في السنوات القليلة الماضية. ولعل التوتر الذي حدث بين شيخ الأزهر الحالي، الشيخ أحمد الطيب والرئيس عبد الفتاح السيسي، يعكس حالة الشد والجذب بين الدولة، وبالأحرى النظام السياسي، والأزهر. ولم يحدث منذ إنشاء دار الافتاء المصرية في تشرين الثاني 1895، أن تم قصر الفتوى عليها أو على شيوخها. صحيحٌ أنها باتت الجهة المنوط بها رسمياً إصدار الفتاوى، إلا أنها كانت مصدراً واحداً من بين عدة مصادر أخرى في هذا المجال. وتمتع علماء الأزهر وشيوخه، تاريخياً، بحق الافتاء وحريته، خصوصاً مع تنوع مذاهبهم الفقهية ومناهجهم التأويلية، التي كانت ولا تزال، إحدى سمات المدرسة الاجتهادية للأزهر.
وكما هي الحال الآن في مؤسسات رسمية كثيرة في مصر، فإن «قائمة الخمسين» لا بدّ وأن تكون قد مرّت على «مصفاة الأمن»، وجرى اختبار ولاء من تم اختيارهم بها، لمعرفة خلفياتهم ومواقفهم السياسية. وهو ما يؤكد أن الأمر لا يتعلق بفوضى الفتاوى، والرغبة في تقنينها وتنظيمها، بقدر ما هو التحكّم فيها وتوجيهها، وتوجيه من يصدرها. وإذا كانت هذه ليست المرة الأولى التي تتدخل فيها السلطة في حقل الفتاوى، حيث جرى كثيراً وقف دعاة وعلماء بعد أن أصدروا فتاوى شاذّة، كما أن مؤسسة الأزهر ووزارة الأوقاف تمتلكان سلطات إدارية واسعة تمكّنهما من إيقاف بعض الشيوخ والدعاة، ليس فقط عن الفتوى، ولكن أيضاً عن الخطابة في المساجد أو التعليق على قضايا معينة، لكنها المرة الأولى التي يتم إعطاء حق إصدار الفتوى حصرياً لشيوخ بعينهم، وتجريم غيرهم إذا قاموا بذلك.
ليست المشكلة هنا في التحكّم الأمني والسياسي في مسألة إصدار الفتاوى فحسب، وإنما أيضاً في معايير اختيار الشيوخ والعلماء الذين يحق لهم الفتوى، والتي لا تخلو من تطبيق منطق «العصا والجزرة» و«المنح والمنع». ويصبح الأساس ليس طبيعة الفتاوى التي يتم إصدارها، وإنما في مدى تأييدهم النظام الحالي من عدمه. وتزداد المشكلة أكثر عندما يتم استخدام المسألة لتصفية حسابات مهنية ووظيفية داخل المؤسسات الدينية، التي تبدو كما لو كانت في حالة تنافسٍ بينها.
بكلمات أخرى، لا يمثل تحديد عدد من لهم سلطة الفتوى وحقها وطبيعتهم الفتوى فقط تعدّياً على مسألة الاجتهاد والتجديد الديني، التي تدّعي السلطة الحالية تبنّيها والدفاع عنها، وإنما أيضاً تكريس لطبقة وفئة دينية جديدة منتقاة على أساس الولاء والتبعية للدولة، وهو ما يخلق كهنوتاً دينياً جديداً، ولكن على مقاس السلطة وخادماً لها.}