احتفلت السفارة الإسرائيلية في القاهرة، مساء الثلاثاء 8/5، بما تسميه «عيد الاستقلال» الـسبعين، المعروف لدى العرب والمسلمين بالنكبة. ليشكل هذا الاحتفال الملعون ممن أقامه أو أقرّه أو حضره، من برّره أو مرّره، أخطر حالة رمزية في تاريخ مصر المعاصر. ويؤكد التحليل الرمزي الأولي أن الاحتفال ليس مجرد واقعة أو حدث يمكن أن يمر مرور الكرام، ما يحمله ليس قليلاً في ما يتعلق بذاكرة الصراع مع الكيان الصهيوني الذي اغتصب أرض فلسطين، وشكل آخر احتلال واستعمار استيطاني على وجه المعمورة. 
ومع ذلك، تعاملت معه الحالة الرسمية المصرية باعتباره حدثاً عابراً، فأوضح بيان أصدرته وزارة الخارجية أن السفارة الإسرائيلية في مصر أجرت  مراسم استقبال بمناسبة عيد الاستقلال الـ70 لدولة إسرائيل (النكبة الفلسطينية، ويوافق 15  أيار)» في أحد الفنادق بميدان التحرير، وسط القاهرة. وأفادت مصادر بأن المراسم حضرها لفيف من الدبلوماسيين ورجال الأعمال وممثلون عن الحكومة المصرية، إذ ذكر حساب «إسرائيل في مصر»، شبه الرسمي على موقع «فيسبوك»، أن «المراسم جرت بحضور لفيف من الدبلوماسيين ورجال الأعمال وممثلين عن الحكومة المصرية»، مضيفاً: «إلى ذلك استمتاع الضيوف المدعوين بعشاء إسرائيلي مميز أعده الشيف شاؤول بن أديريت مع فريق طهاة الفندق». والخبر يصاغ باستخفاف وبجاحة شديدين. 
وأشار سفير الكيان الصهيوني المحتل، دافيد غوفرين، بلهجة عربية مكسّرة، في الحفل إلى أن «الشراكة المتينة بين مصر وإسرائيل تشكل قدوة ومثالاً لحلّ صراعات إقليمية ودولية في العالم أجمع حتى يومنا هذا»، وأضاف: «ومع ذلك، نحن اليوم في أوج معركة السلام»، متابعاً: «هذه المعركة تستوجب التغيير الواسع في الوعي والإدراك، وتحتّم إيجاد جو يسوده التسامح والتعرف إلى الآخر والصبر. لا شك في أن الأمر يحتاج إلى عملية طويلة ومستمرة، ولكنها ضرورية لنشر السلام، ليس فقط بين الحكومات، بل ليعمّ أيضاً بين الشعوب».
 وقال: «نلاحظ التغيير في معاملة الدول العربية لإسرائيل، لا تعتبر عدواً، بل شريكاً في صياغة واقع جديد وأفضل في المنطقة، واقع يستند إلى الاستقرار والنمو الاقتصادي». وقد أشار إلى سعادته بانضمام وليّ العهد السعودي إلى ظاهرة التطبيع مع الكيان الصهيوني والذي لم يعد يقتصر على مثقفين أو فنانين أو رياضيين، بل أيضاً ممن زعموا أنهم زعماء لدول. يشير الى غبطته بالحديث لشعوبٍ ما زالت تتمسك بالنظرة إلى ذلك الكيان عدواً مغتصباً، ويبشرنا غوفرين بأن قادة عرباً أصبحوا في خدمة مشاريعهم الصهيونية، وأن على الشعوب أن تدخل إلى مسيرة التطبيع كالقطيع. 
هذه هي المرة الأولى التي تحتفل السفارة الإسرائيلية في القاهرة بالذكرى السبعين لتأسيس الدولة العبرية، منذ اقتحامها في كانون الأول 2011، حيث حاصر آلاف المتظاهرين مبنى السفارة في الجيزة، المُطل على النيل وجامعة القاهرة، احتجاجاً على مقتل خمسة جنود مصريين على الحدود بنيران إسرائيلية في آب 2011، وسط مطالبة الحكومة بتحرّك فوري نتيجة هذا الحادث. وهدم المحتجون سوراً إسمنتياً كان قد وُضع احترازاً أمام السفارة، وصعدت مجموعة منهم إلى الطوابق التي تشغلها السفارة، وأنزلت العلم الإسرائيلي، ثم دلفت لداخلها، وألقت المستندات من النوافذ. 
اختارت السفارة فندق «نيل ريتز كارلتون» (هيلتون النيل سابقاً)، الذي يطل على نهر النيل وميدان التحرير (رمز ثورة يناير)، ليكون مكاناً للاحتفال الذي تواكبه استعدادات في القدس لنقل السفارة الأميركية إلى المدينة المحتلة في 14 أيار الجاري، أي في يوم ذكرى نكبة فلسطين. في إشارة إلى رمزية الزمان والمكان، ميدان التحرير من جهة وقربه من نهر النيل، في إشارة إلى ثورات الربيع العربي، والثورة المصرية خصوصاً، التي أشار السفير الصهيوني، من طرف خفي، إلى أنها أحدثت حالة عنف وإرهاب. والنيل الذي يشير إلى الأطماع الإسرائيلية من الفرات إلى النيل. هذا الوصول حتى بمجرد بالاحتفال، لا الاحتلال المباشر، بتأمين أمني من النظام المصري. أليس من العار على الحكومة المصرية أن تسجن المتظاهرين ولا تسمح لهم بالوجود في ميدان التحرير، وتسمح لإسرائيل بأن تحتفل بجوار ميدان التحرير بذكرى احتلالها لفلسطين؟! 
وعند مدخل الاحتفال المقام في الفندق، رفع المحتفلون «دبوساً» يجمع العلمين المصري والإسرائيلي، ليعلقه الحضور على ستراتهم، كما وزعوا حقائب ورقية بيضاء مكتوب عليها» الذكرى السبعين لتأسيس دولة إسرائيل»، وبداخلها تمور. وقبيل بدء الاحتفالية في حوالي السابعة مساء عُزف النشيد الوطني الإسرائيلي، ثم وقف السفير الإسرائيلي أمام منصة، ووراءه علما مصر وإسرائيل. واستهل دافيد غوفرين كلمته التي ألقاها بالعربية ثم بالإنكليزية بتوجيه الشكر إلى السلطات المصرية وأجهزة الأمن، لإتاحة الفرصة لإقامة الحفل بالغ الأهمية، وذلك بعد مرور فترة طويلة، تعذرت فيها إقامته في القاهرة. 
أما رمزية الحدث فتشير إلى تصفية، وليس حتى تسوية القضية الفلسطينية، بعد المشاركة في  مهرجان اتهام المقاومة الفلسطينية وتجريمها، وحصار أهل غزة العزة، وتمرير قضم الأراضي الفلسطينية بمقتضى الخطة الصهيونية في الاستيطان الذي لم يعد يعرف حداً أو سقفاً، وكذا تمرير عملية تهويد بيت المقدس، والانتهاكات الهمجية المتكررة للمسجد الأقصى. وأخيرا التواطؤ مع قرار ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة.. ها هو الاحتفال الملعون يقع بالقرب من ميدان التحرير، رمز الثورة المصرية. 
ولكن ستظل الشعوب تقول كلمتها، وفي مقدمتهم المقاومون من أهل فلسطين في مسيرة العودة، وتفشل الاتفاقات والتواطؤات والاحتفالات بالخذلان والانبطاح، وتفضح سماسرة «صفقة القرن» على رؤوس الأشهاد الذين فاضت بجاحتهم وأمارات فجورهم.. ألا شاهت الوجوه وقبحت الأفعال، وبئست الاحتفالات، في مسيرة العودة تنفتح ملحمة القرن في مواجهة «صفقة القرن».}