محمد مصطفى العمراني

دشن المجلس الانتقالي الجنوبي بمدينة عدن يوم الجمعة الماضية أول خطوات التصعيد في الشارع الجنوبي ضد الحكومة الشرعية، بإقامة مخيم جماهيري مفتوح للمطالبة برحيل حكومة د. احمد بن دغر التي يتهمونها بالفساد، وذلك بعد أيام من شن المجلس الجنوبي بقيادة عيدروس الزبيدي وهاني بن بريك حملة إعلامية ضد الحكومة الشرعية تدعو للثورة عليها وطردها، وسط حالة من الغموض تكتنف المشهد السياسي اليمني عموما والمشهد الجنوبي منه على وجه الخصوص. 
وفي الوقت الذي تبدو فيه الرئاسة والحكومة الشرعية اليمنية في أضعف حالاتها، إذ تقلص دور الرئيس هادي كثيراً في الفترة الأخيرة، وترددت أنباء عن وضعه قيد الإقامة الجبرية في الرياض، كما غادر محافظ عدن عبد العزيز المفلحي إلى القاهرة  للعلاج كما تردد، وغادر أيضاً رئيس الحكومة بن دغر إلى الرياض وكلف وكيل المحافظ احمد سالمين القيام بمهام محافظ عدن.. إلا أن الأخير لم يستطع دخول مبنى المحافظة بسبب قيام قوات الحزام الأمني الموالية للإمارات بمنعه من مزاولة مهامه لتبدو العاصمة اليمنية المؤقتة (عدن) مدينة مفتوحة على كل الاحتمالات. 
ومثلما تمر الشرعية بمرحلة شديدة من الضعف تبدو قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي ممثلة بمحافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي ونائبه هاني بن بريك في حالة من الارتباك والتخبط، ففي الوقت الذي وعد هاني بن بريك الشارع الجنوبي بنشر تصور للمجلس الانتقالي الجنوبي عن المرحلة القادمة بالجنوب، إلا أن شيئاً من هذا لم يحدث رغم أن المجلس أنجز بعض الخطوات، مثل تأسيس الجمعية الوطنية للجنوب. وقام بسلسلة من الزيارات لمناطق الجنوب لحشد الدعم المطلوب للمجلس كحامل للقضية الجنوبية، وقد أيده البعض وعارضه آخرون، إلا أن افتقاد المجلس لرؤية واضحة للمستقبل يجعله ورقة بأيدي قوى إقليمية تسعى لإدارة الجنوب عبر قيادات المجلس الانتقالي وتحويلهم إلى مجرد وكلاء، أكثر منهم رموزاً سياسية وشعبية تمتلك قرارها ولديها رؤية محددة وتصور للتعامل مع مستجدات الحاضر والمستقبل.   
ومثلما يلف الغموض توجهات قيادات المجلس الانتقالي وخياراتها، لا أحد يتكهن بمصير عدن في ظل دعوات التصعيد ضد الحكومة، التي تتزامن مع خطوات لعرقلة السلطة المحلية ومنعها بالقوة من ممارسة عملها ومن وجهة نظري فهذا التصعيد لن يستجيب لمطالب الشارع اليمني الخدماتية والمعيشة، فهو سيضيف إليها أعباء وإشكالات جديدة ولن يحل مشاكل عدن، حيث الكهرباء تنقطع لساعات والمرتبات لم تصرف منذ اشهر والوضع الأمني متردٍّ في ظل فوضى الاغتيالات واختلال الأمن، كما أن الوضع المعيشي للناس هو الآخر مزري. 
هذا التصعيد من وجهة نظري سيخلط الأوراق بشكل أكبر ويزيد المشهد المعقد بعدن تعقيداً ويغيب الجهود التي كانت تقوم بها السلطة المحلية لصالح المواطن وتسيير الخدمات وإنجاز المشاريع.  
مثلما يفتقر المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة عيدروس الزبيدي وهاني بن بريك لأي تصوّر مقنع للمستقبل بالجنوب، لم يقدم هذا المجلس اي مبادرات لحل المشاكل بعدن وإيجاد البدائل وتخفيف معاناة الناس، بل انهم يفتقدون لمشروع استراتيجي ولا يمتلكون رؤية واضحة للمرحلة التي سينتهي إليها هذا التصعيد، وليس لديهم أي تصور للتعامل مع المستجدات الإقليمية التي قد تطيح أحلام انفصال الجنوب في ظل تعثر مشاريع الانفصال من كاتالونيا بإسبانيا إلى كردستان بالعراق. 
قيادة التحالف العربي في اليمن التي شنت عملياتها العسكرية لخدمتها، وهو ما يظهر نوعاً من الازدواجية في التعامل مع الواقع اليمني والكيل بمكاييل متعددة. ومثلما ترفض الإمارات مشروع الانفصال وترى أنه ليس حلاً، وفي الوقت نفسه توفر الغطاء السياسي والدعم المالي واللوجستي للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسعى للانفصال، كما تبدو السعودية غير مهتمة بشكل كاف بالقضية اليمنية وخصوصا بالجنوب، التي يبدو أنها سلمته للإمارات ولم يعد لها رؤية مغايرة للرؤية الإماراتية، خصوصاً في ظل حالة الود بين البلدين، ما يجعل الإمارات اللاعب الأوحد في جنوب اليمن. 
القوى الدولية هي الأخرى لا يبدو ان لديها رؤية واضحة للحل السياسي في الجنوب، عدا تأييد جهود المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، كما لم يصدر عنها اي موقف تجاه التحركات التي يقوم بها المجلس الانتقالي الجنوبي التي تستهدف الحكومة الشرعية اليمنية التي تعترف بها وتتعامل معها، إلا أن بعض المصادر تشير إلى طرح بعض الدول الأوروبية لخيار الاقليمين في ظل دولة يمنية اتحادية، بحيث يكون الجنوب إقليماً والشمال إقليماً، وهي رؤية تتناغم مع رؤى قوى محلية مثل ما طرحته قيادات الحزب الاشتراكي اليمني في مؤتمر الحوار الوطني بصنعاء قبل سنوات، وهي الرؤية التي يرفضها المجلس الانتقالي الجنوبي وترفضها قوى أخرى تراها مقدمة لانفصال الجنوب، حيث تختلط الأوراق وتتداخل السيناريوهات، واصبح الوضع مفتوحاً على كل الاحتمالات.}