العدد 1554 /15-3-2023

محمود عبد الهادي

عبرت الإدارة الأميركية في خطاباتها بمناسبة مرور عام على الحرب في أوكرانيا عن مصالحها المباشرة من الحرب ومصالح حلفائها والعالم وعن شروطها لتحقيق السلام، وهي شروط تعجيزية لا تحقق السلام وإنما تمهد لإطالة أمد الحرب التي رصدت لها وحدها حتى الآن 110 مليارات دولار، منها 45 مليار دولار للعام الجاري.

تسوّق الإدارة الأميركية لمزاعم الالتزام بالقواعد والمعايير الدولية التي وفرت الأمن والازدهار للعالم منذ الحرب العالمية الثانية، متناسية مسؤوليتها المباشرة عن قتل ملايين البشر في مغامراتها العسكرية في العديد من دول العالم منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، وقد استفادت الولايات المتحدة من هذه المناسبة للتأكيد مرارا على مصالحها الإستراتيجية الكبيرة في هذه الحرب، لما لها من تداعيات عالمية بعيدة المدى فرضت عليها الوقوف إلى جانب أوكرانيا في وجه العدوان الروسي.

وحسب ما ورد في خطابات وبيانات مسؤولي الإدارة الأميركية، تتمثل أبرز هذه المصالح في ما يأتي:

التأكيد على الالتزام الجماعي بدعم القواعد والمعايير الدولية التي وفرت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أمنا وازدهارا غير مسبوقين، ليس للشعب الأميركي فحسب ولا للشعوب الأوروبية فحسب، بل للشعوب في كافة أنحاء العالم أيضا.ولا أدري كيف تسوّق الإدارة الأميركية مثل هذه المزاعم وكأنها تقرأ من كتاب تاريخ لعالم آخر، متناسية مسؤوليتها المباشرة عن قتل ملايين البشر في مغامراتها العسكرية في العديد من دول العالم، في فيتنام وكوريا والعراق وأفغانستان والصومال، وجميعها بعد الحرب العالمية الثانية، ولم تتوقف عن هذه السياسة حتى اليوم.

تكرار التأكيد على أنه لن تشعر أي دولة بالأمان في عالم تقوم فيه دولة ما بانتهاك سيادة دولة أخرى وترتكب فيها جرائم ضد الإنسانية وتفلت من العقاب دون رادع.وتوجه الإدارة الأميركية بذلك رسالة واضحة إلى كل من روسيا والصين اللتين تستعدان للقيام بعمل مماثل ضد تايوان إذا ما استمرت الولايات المتحدة في سياستها المراوغة مع الصين حول هذه القضية.

اختبار مدى استعداد العالم للتوحد من أجل الدفاع عن القواعد والأعراف الدولية والتمسك بها، وتقديم كافة أنواع الدعم اللازم في سبيل ذلك.ويعمل هذا الاختبار في الوقت ذاته على تعزيز مكانة الولايات المتحدة في قيادة العالم للمحافظة على هذه القواعد والأعراف، وهو الأمر الذي لا تنفك الإدارة الأميركية تتحدث عنه بمناسبة وغير مناسبة.

الحيلولة دون انتصار بوتين في هذه الحرب، لأن ذلك يمثل تعديا على هذه المبادئ الأساسية للنظام الدولي قد يدفع دولا استبدادية أخرى إلى فرض إرادتها على العالم من خلال الإكراه والتضليل والقوة الغاشمة، مما قد يعرض النظام الدولي للخطر، وهي رسالة أخرى مباشرة للصين لتحذيرها من مغبة القيام بعمل مماثل ضد تايوان، لأنها ستواجه ما واجهته روسيا.

دعم النظام الدولي القائم على القواعد في تحقيق مصلحة الأمن والازدهار العالميين، وإظهار توافق الدول على ذلك في مختلف أنحاء العالم، وإظهار أن العالم لم يكن موحدا على أمر مثل ما هو موحد الآن، خاصة على مستوى حلفاء الولايات المتحدة وشركائها، على خلاف توقعات الرئيس بوتين في بداية الحرب، حيث كان يظن أنه قادر على تفتيت الموقف الغربي من الحرب بسبب مصالحها الاقتصادية مع روسيا.

تأكيد وقوف الولايات المتحدة إلى جانب كافة الدول الملتزمة بمبادئ النظام الدولي القائم على القواعد، وإبراز قدرتها على تعبئة دول العالم في تحالفات مشتركة للدفاع عن هذا النظام.ويأتي ذلك كرسالة متكررة وواضحة تماما للزعيمين الصيني والروسي بأن الولايات المتحدة لن تسمح لهما بتحقيق مطالبهما الرامية إلى تعديل النظام الدولي وإنهاء تفرد الولايات المتحدة بقيادة العالم، وأنها مستعدة لفعل أي شيء للحيلولة دون ذلك.

التأكيد على التزام الولايات المتحدة بدعم كرامة وقيمة الإنسان التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة، وتأكيد أن هذه المسؤولية تقع على عاتق الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها الذين لديهم القوة لتحقيق كرامة وقيمة الإنسان اليوم وللأجيال القادمة.فشعوب العالم التي تعاني من الحروب والفقر والمرض والتخلف تعرف أن عبارات الالتزام هذه التي تتشدق بها الولايات المتحدة هي لمجرد الاستهلاك الخطابي الذي يقتضيه الموقف في هذه المناسبة، وهذه الشعوب تتساءل عن فائدة قيادة الولايات المتحدة للعالم إذا كانت لم تستطع أن تمنع عنهم جحيم الحروب وعذابات الفقر والمرض والتشريد والحرمان.

التأكيد على رفض العدوان والاستيلاء على الأرض بالقوة، ومحو حدود دولة أخرى، ورفض استهداف المدنيين في الحرب.

أعلنت الولايات المتحدة أنها جمعت تحالفا عالميا يضم أكثر من 50 دولة لتزويد المقاتلين الأوكرانيين بالأسلحة والإمدادات الضرورية على الخطوط الأمامية، محذرة من أن الدفاع عن الحرية ليس عمل يوم أو سنة، إنه دائما صعب، وإن العالم عند نقطة انعطاف، فالقرارات التي سيتم اتخاذها في السنوات الخمس المقبلة ستحدد وتشكل حياة الناس لعقود قادمة

السلام الصعب

أعلنت الإدارة الأميركية مرارا وتكرارا في مناسبة مرور عام على الحرب في أوكرانيا أنها تسعى للضغط من أجل سلام عادل ودائم، وأنها مستعدة للانخراط في أي جهد دبلوماسي، ولكن ضمن شروط تبدو تعجيزية ليس لها تبرير سوى إطالة أمد الحرب، وهذه الشروط هي:

أن يكون الجهد المبذول لتحقيق السلام ذا فائدة لوقف العدوان الروسي على أوكرانيا، فالمهم هو طبيعة السلام الذي ينبغي تحقيقه.

كي يكون السلام عادلا يجب التمسك بمبادئ الأمم المتحدة التي تؤكد على سيادة الدول واستقلالها ووحدة أراضيها.

من أجل أن يكون السلام دائما يجب أن يضمن عدم قدرة روسيا على التمتع بالراحة وإعادة التسليح وإعادة شن الحرب في غضون بضعة أشهر أو سنوات.

ومن المؤكد أن روسيا لن تقبل بأي من هذه الشروط، وهذا يعني استمرار الحرب لعدة سنوات قادمة، لحين تمكن أحد الطرفين من إجبار الطرف الآخر على الاعتراف بالهزيمة، وهذا ما أعلنت الولايات المتحدة أنها لن تقبل به أبدا، فهل تقبل روسيا به؟ أم سنشهد حدوث تغيرات دراماتيكية مفاجئة لصالح أحد الطرفين ضد الآخر؟

حرصت الإدارة الأميركية مرارا في هذه المناسبة على أن تؤكد للعالم أن روسيا هي الوحيدة القادرة على وقف هذه الحرب اليوم، وإلى يتحقق ذلك ستقف وحلفاؤها مع أوكرانيا مهما استغرق الأمر، وستعمل على تعزيز جيشها في أرض المعركة حتى تكون كييف في أقوى وضعية ممكنة عند الانخراط في أي مفاوضات مستقبلية، وهذا يعزز بشدة أن الحرب ستشهد في الشهور القادمة تصعيدا قتاليا مختلفا عما كان في العام الأول للحرب.

وتعتقد الإدارة الأميركية أن الرئيس بوتين يواجه اليوم شيئا لم يكن في حسبانه قبل عام، حيث أصبحت ديمقراطيات العالم أقوى من وجهة نظرها، وأن الحكام المستبدين في العالم أصبحوا أضعف، وأن بوتين لم يعد يساوره أدنى شك في مستوى قوة تحالف الولايات المتحدة، لكنه يشك في قدرته على البقاء وفي استمرار الدعم لأوكرانيا وفيما إذا كان حلف الناتو يمكن أن يظل موحدا كما هو الآن.

وتوجه الإدارة الأميركية خطابها للشعب الروسي، موضحة أن هذه الحرب اختارها الرئيس بوتين، وأن استمرارها من اختياره، وأن بإمكانه إنهاءها بكلمة واحدة.

وفي خطاب أقل ما يقال فيه إنه "ساذج" يتناقض مع الشروط التي وضعتها لإنهاء الحرب تكرر الإدارة الأميركية أن أمر إنهاء الحرب بسيط جدا إذا توقفت روسيا عن غزو أوكرانيا.

فما الذي تخطط له الإدارة الأميركية في هذه السنوات؟