حازم عياد

نقاش ساخن وجدلية تشغل الرأي العام الأمريكي والصحافة، تفوق في أهميتها التهديدات النووية لكوريا الشمالية والنهوض الاقتصادي الصيني والصراع غرب آسيا ووسطها؛ جدل محتدم يدور في أروقة البيت الأبيض؛ فوزير الدفاع ماتيس ورئيسة ترامب منشغلان تماماً بالقضية الحساسة والخطرة التي باتت تمثل تهديداً كبيراً للأمن القومي الأمريكي يفوق في أهميته تهديدات كوريا الشمالية التي باتت قريبة من أسوار الحصن الامريكي.
القضية الحساسة والخطرة تتعلق بخدمة المثليّين الجنسيّين (الشواذ) في الجيش الأمريكي فترمب يريد اقصاءهم والتخلص منهم، وماتيس متمسك بهم ومدافع شرس عن حقوقهم؛ معلناً أنه لن ينفذ ولن يلتزم قرار اللجنة المشكلة لدراسة جدوى انضمامهم للجيش ومخاطره على الأمن القومي كما يرى ترامب. 
فالمعركة في شبه الجزيرة الكورية وغيرها من المواقع التي تهدد بدك الحصون الأمريكية وتزحف باتجاهها، ليست بتلك الأهمية والحساسية التي تمثلها قضية الشاذين في الجيش الأمريكي، رغم ذعر الحلفاء في طوكيو وسيؤول واستغاثاتهم المتكررة بالحليف الامريكي؛ فكوريا الشمالية لم تشغل الرجلين عن مناقشة الشذوذ وخوض حرب ضروس في البيت الابيض ليتطاير شررها في كل مكان، مهدداً بانسحاب ماتيس من إدراة ترامب او اقالته.
هذا الجدل يذكر العرب والترك بالجدل البيزنطي الذي دار في القسطنطينية في وقت كانت جيوش محمد الفاتح تدك اسوارها؛ جدل متعلق بقضية فلسفيّة عقيمة، لدرجة انها تحولت الى طرفة؛ مفادها ان النقاش كان محتدماً حول كم قرد يستطيع ان يمرّ عبر الابرة أو أن يقف عليها؛ ذات الجدل العقيم الذي عانت منه بغداد اثناء زحف المغول جدل اثاره اخوان الصفا.
أمريكا بواقعها الحالي تذكرنا بالامبراطوريات الكبرى في نهاية عهدها؛ اذ أورثها الترف والارتباك القيمي والفكري الكثير من عناصر الضعف والوهن؛ ما شجّع خصومها في كوريا الشمالية والصين وروسيا وايران وغيرها لاتباع سياسة تصعيدية؛ لعلمهم بأن الولايات المتحدة الأمريكية تخوض نقاشاً حساساً يتعلق بحقوق الشواذ ومستقبلهم الباهر؛ الذي سيؤدي حسمه الى فتح كبير، حقوقي وفكري في الغرب، يمثل نقلة نوعية وحضارية تفوق في اهميتها غزو الفضاء؛ يتبعها فتوحات اقتصادية وعسكرية عظيمة للصين وورسيا وكوريا الشمالية وإيران وغيرهم، الذين باتوا على أسوار الامبراطورية الأمريكية.
 انها صورة طريفة ولكنها تستحق التأمل؛ ملخصها.. الشواذ والجيش والأمريكي وكوريا الشمالية.}