العدد 1438 / 25-11-2020

المفترض أن تنتهي رئاسة دونالد ترامب لتبدأ رئاسة جو بايدن بعد شهرين. مع ذلك لا حراك على صعيد الانتقال. كل شيء ما زال على حاله بعد 16 يوماً على الانتخابات. القطيعة متواصلة بين البيت الأبيض والرئيس المنتخب. لا علاقات ولا تعاون لتأمين عملية تسلم وتسليم سلسة، وفق القانون والتقاليد. بايدن في واد وترامب في واد آخر. الأول يواصل غربلة الأسماء لتركيب إدارته، فيما يستمر الثاني في رفضه للنتائج وإصراره على متابعة التحقيقات في انتخابات يدّعي أنه جرى " تزويرها " بقصد حرمانه من تجديد رئاسته، بينما تواصل المحاكم رد الدعاوى التي رفعها لنقض النتائج في بعض الولايات، لافتقارها للحيثيات القانونية. في ضوء ذلك، تبدّل تكتيك فريق الرئيس، حيث استدار نحو الورقة السياسية من خلال العودة إلى طرق باب "الخيار النووي" المفتوح على مشكلة كبيرة لو وجد سبيله إلى التنفيذ.

أول خطوة في هذا الاتجاه كانت عندما رفض ممثلا الجانب الجمهوري في إحدى مقاطعات ولاية ميشيغن، التي صبّت بقوة لصالح بايدن، التصديق على نتائج التصويت فيها. تطور كان من شأنه لو استمر أن يؤدي إلى إحالة الخلاف إلى كونغرس الولاية الجمهوري للفصل فيه، بحيث يشطب نتيجة التصويت ويختار مندوبي الولاية من لون الأغلبية فيه إلى المجمع الانتخابي، بما يقلب المعادلة لصالح الرئيس.

هذا التوجه نحو الحل "النووي" أثار تحركات وضغوطا واسعة وسريعة لتطويق المحاولة، أفضت إلى التراجع عنها بعد حوالي ساعتين. على الفور، انتقلت اللعبة إلى ولاية ويسكنسون، حيث طالب فريق الرئيس بإعادة عدّ الأصوات في إحدى مقاطعاتها التي حاز بايدن على غالبية أصواتها. بالترافق مع ذلك، زعم محامي الرئيس رودي جولياني أن هناك أكثر من "600 ألف ورقة اقتراع مفقودة" في ولاية بنسلفانيا، وطلب التحقيق في الأمر من دون أدلة. وفي هذا السياق، كشف وزير خارجية ولاية جورجيا (الذي يشرف على الانتخابات) أن السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام فاتحه في ما إذا كان بإمكانه "رمي أوراق اقتراع معينة في هذه الولاية التي فاز بها بايدن. السيناتور ردّ بالنفي على زوبعة الانتقادات والمطالبات بفتح تحقيق في "فضيحته" المخالفة للقانون. لكن الوزير تمسك بروايته.

الإمعان في هذا التوجه حول الانتخابات أثار حالة من عدم اليقين، ولو أن فوز بايدن صار بمثابة تحصيل حاصل، على الأقل بلغة الأرقام حتى الآن. الاعتراف بهذا الواقع توسعت دائرته ليشمل حتى جهات متزايدة من الجمهوريين، علناً أو سراً، في الكونغرس وخارجه، حتى أن عددا من مسؤولي الإدارة (سابقين وحاليين) فتحوا خطا مع بايدن، حسب آخر التقارير.

مع ذلك ما زال التوجس سيّد الموقف. سعي البيت الأبيض الدؤوب لنسف الانتخابات وضع الساحة في حالة انتظار قلق. خاصة أن هناك محطات حساسة لا بد من عبورها حسب الأصول لتثبيت فوز بايدن بصورة قانونية، مثل تصديق الولايات على نتائج التصويت ورفع الخلاصة في أوائل كانون الأول القادم إلى المجمع الانتخابي، واجتماع هذا الأخير يوم 14 للتصويت على الجدول النهائي لتصويت الولايات. وهذه إجراءات ملزمة ومواعيد موجبة ما زالت محاطة بعلامات الاستفهام، بعد استمرار الخلاف حول النتائج. ويزيد من الارتياب أن الرئيس ترامب يواصل الإطاحة بمن يعتبرهم خصومه في المواقع الهامة، والتي طاولت قبل يومين مسؤول الأمن الإلكتروني في الوكالة المعنية بإحباط اختراقات التدخل الخارجي في الانتخابات، والذي قام بالمهمة هذه المرة على أكمل وجه وباعتراف كافة الأطراف.

بين هذا وذاك تقف الولايات المتّحدة في وضعية تعيسة. انتخاباتها معلقة بصورة كاشفة ومحرجة. تبايناتها صارت نزاعات وخلافاتها اقتربت من العداوات. "لم نعد مختلفين على القضايا بل أيضاً على الهوية"، كما قال الرئيس باراك أوباما قبل أيام. فوق ذلك، هي تمر في أخطر أزمة صحية منذ إنفلونزا 1918. فيروس كورونا حصد ربع مليون ضحية حتى الآن والعدد قد يصل إلى 400 ألف مع حلول العام القادم، حسب التقديرات الطبية. فورة الإصابات فاضت عن طاقات مستشفيات بعض الولايات. الكونغرس انصرف ليبدأ إجازة عيد الشكر حتى آخر تشرين الأول من دون إقرار أي حزمة تحفيز وعون، علما أن سوق العمل تخلى عن 742 ألف وظيفة الأسبوع الماضي. حالة مرشحة للتفاقم إذا ما بقي كل شيء معلقاً، أو إذا ما تدهور أكثر خلال الشهرين القادمين/، مع ما ينذر به ذلك من تصدعات سياسية واقتصادية لاحقة.