عزت النمر

لا شيء أسوأ من قضية عادلة بين يدي محام فاشل.. لا أدري إلى أيّ مدى يمثل هذا الكلام حال المشهد المصري.
الثورة المصرية أو مقاومة الانقلاب هي قضية عادلة بالأساس، زادها توهجاً حُمْق الانقلاب وشوفينيته، وإهداره لكل حقوق الشعب المصري، وتضييعه كل مقومات الوطن ومقدراته.
بعيداً عن التمزق والشقاق؛ هناك حالة من الكسل والسلبية تطوق نخبة الثورة، وتتلبس دعاة الحرية ومعارضي الانقلاب.
ربما الخيارات صعبة، لكن صورة العجز البادية توحي بمشكلة في الإرادة والأداء على السواء.
نمط مزرٍ من الغياب يكتنف المشهد، ويجعل من البحث عن نخبة فاعلة للثورة والشرعية عملية مضنية وغاية بعيدة.
مثل هذا الواقع هو من يسبب قتامة الصورة، ويزيد من حالة التولي والهروب التي ننكرها جميعاً على الشعب، لكنه في الوقت نفسه يدعونا إلى مراجعة جادة لأنفسنا وتحَسُّس مواقع أقدامنا؛ بحثاً عن نخبة أصيلة وجادة تنهض بالعبء وتؤدي واجب الوقت، وتحيي فينا وفي شعبنا الأمل في الخلاص.
أعتقد أننا الآن في الوقت المناسب، بعدما كشفت سنوات خمس من عمر الانقلاب عن فشل كامل في إدارة الدولة، ما أتى بنتائج كارثية على المواطن، فضلاً عن عمالة صارخة لإسرائيل، فقدت مصر فيها كل مقومات أمنها القومي ومقدراتها وثرواتها.
قد تكون هذه هي اللحظة المناسبة لأيّ فكرة أو مبادرة أو خطوة أو قيادة أو فعل؛ يستهدف إعادة إنتاج الثورة أو حتى إلقاء حجر في مياهها الراكدة.
سرعة التحرك بإيجابية وطرق كل الأبواب يلزمنا جميعاً الآن كفريضة واجبة، خاصة أن كوارث السيسي وتنازلاته وإهداره لكل مقدرات الوطن، تفاجئنا يوماً بيوم وتحاصرنا ساعة بساعة.
خطيئة الاكتفاء بالفعل الإعلامي والحقوقي دون السياسي أو الثوري؛ تلطمنا جميعاً، وتوشك أن تورد ثورتنا موارد الهلاك وتصمّ من يتورط فيها بالغفلة والخذلان أو بالعمالة والتواطؤ.
كل التقدير للإعلاميين وجهدهم، فقد كشفوا إلى حدّ بعيد عورات الانقلاب، وأفادوا ثورتنا بفضح الهدايا السوداء التي قدمها لهم الانقلاب بغباء. لكن الأداء الإعلامي إن لم يصاحبه مسار سياسي وثوري، فإنه قد يصل بمتابعيه إلى شعور بالعجز، وحالة من القهر والخور تدعو للاستسلام والتولي.
على النسق ذاته؛ كل التقدير لخطوات الحقوقيين في شرق الأرض وغربها في جهودهم لاستنقاذ روح، أو تخفيف معاناة أو تحسين ظروف الاعتقال، أو الضغط الخارجي على شرذمة المجرمين. لكن الجهد الحقوقي مهما بلغ؛ لن يؤدي لأثر يُذكر في طريق إنقاذ الوطن أو تحرير ساكنيه.
بقي إذن على النخبة السياسة أن تقوم بواجبها، بدلاً من أن تكون هي ذاتها عُذْر كل معتذر وشماعة مقبولة لدعاة اليأس والقعود.
دعوة أتقدم بها في ظرفنا الراهن إلى نخبة الثورة من كل الاتجاهات، ليتوافقوا على حكومة للثورة، تكون مهمتها توحيد خطاب جاد يُوَجَّه إلى الشعب المصري باللغة التي يفهمها، ويتناول احتياجاته، ويتجاوز خلافات النخب وهيمنات السياسة.
هذا المسار يُسَهِّل على نخبتنا - إذا ما أرادت - أن تنتقل من ادعاء الثورية ومعارضة الانقلاب؛ إلى جدّية الفعل الثوري وصراحة المقاومة.
المتشائمون قد يعاجلوننا بأن الشعب المصري انصرف عن المشهد، ولن يعود إليه أبداً!!
لهؤلاء أقول: لا شك عندي أن مسلك النخبة وتنازعها وانشغالها بأولوياتها في الفترة السابقة، هو السبب المباشر في تولي الشعب وانصرافه.
وأعتقد أن خطوة كهذه من شأنها أن تجعل النخبة تستعيد الشعب وتستميله خطوة خطوة، من خلال الإعلان المتتالي عن رؤية عملية وواقعية للحكومة المنتظرة من بلايا السيسي اليومية، وموقفها الجادّ من جرائم حكومة العسكر وبرلمان العار.
ثمة حقيقة أخرى لا تقبل المزايدة؛ أن إعلان وزارات حكومة الثورة عن خطواتها وقرارتها بشأن الأوضاع الاقتصادية والصحية والتموين والغلاء، وكذلك الكشف عن خططها المستقبلية في دعم المواطن، سيكسبها شعبية تتزايد يوماً بعد يوم، ولن يضرها إذا ما بدأت هذه الشعبية في المثقفين أولاً، ثم لن تلبث حتى تتجذر في عموم الشعب وكل طبقاته خاصة الفقيرة والمطحونة، وهم عامة المصريين اليوم.
حقيقة أخيرة، أن نجاح هذه الحكومة مرهون بكوادرها ومفرداتها وكيان كل وزارة ومخرجاتها، وأعتقد أنه أمر ميسور وما زلنا نملك فيه الكثير.
وفي الختام، قد يحاول هذا الطرح أن يتجاوز معضلات النخبة ومُعَطِلاتها، ويقدم لها طريقاً للمسير يسمح بترك المختلف فيه لكلمة الشعب غداً، ويدعو الجميع للتوحد على دعم مسار الحكومة المنتظرة والوقوف خلفها كراية واحدة وجادة وفاعلة، في مكافحة سرطان السيسي وإيدز الانقلاب.}