خليل العناني

لا يملك المرء سوى الضحك والهزل من تصريحات السفير المصري لدى الأمم المتحدة في جنيف، عمرو رمضان، التي انتقد فيها سجلّ حقوق الإنسان في بعض البلدان الأوروبية، مثل السويد وهولندا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا. فقد ألقى سعادة السفير بياناً طويلاً في إحدى جلسات «مجلس حقوق الإنسان» التابع للأمم المتحدة في سويسرا، يردّ فيه على بعض ملاحظات دول الاتحاد الأوروبي حول التضييق على منظمات المجتمع المدني، التي لم تصل إلى حد النقد أو توجيه اللوم للنظام المصري، وإنما مجرد ملاحظات عابرة.  
لم يتحمّل سعادة السفير هذه الملاحظات، فانفجر في وجوه الحاضرين، مطلقاً عباراته الإنشائية في مشهد يُرثى له. فحسب صحيفة الشروق الجديد المصرية، أعرب السفير عن «بالغ القلق إزاء القوانين المقيدة للحريات باسم مكافحة الإرهاب في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا، كقانون التجسس وقانون النقابات في بريطانيا والانتهاكات البريطانية في إيرلندا الشمالية، وشيوع الإفلات من العقاب إزاءها، وحالة الطوارئ المعلنة منذ أكثر من عام في فرنسا...». كما دان السفير «إجراءت الأمن في السويد التي أدت إلى أن ربع المحبوسين في السجون لم تتم محاكمتهم بعد فترة احتجاز لبعضهم تصل إلى 1400 يوم، فضلاً عن الاستخدام المفرط للقوة واستخدام أسلحة محرّمة دولياً كرصاص (الدمدم)». أما ثالثة الأثافي فهي إدانة سعادة السفير «استخدام الحبس الانفرادي بشكل مفرط بما في ذلك ضد صغار السن في الدانمارك، والتوسع في استخدام الاحتجاز قبل المحاكمات، وانتهاكات حقوق الإنسان في غرينلاند وجزر الفاروو...»، كأنه بذلك يقوم بغزو الغرب في عقر داره.
تقمّص سعادة السفير شخصية «المقاتل الشرس» في استعراض هذه الوقائع، كأنه بذلك يُحرج الدول التي ذكرها، والتي لا تخلو سياساتها من انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان، خصوصاً تجاه الأقليات المسلمة التي أصبحت هدفاً لتياراتها اليمينية المتطرفة، ولكن ليس إلى الدرجة التي يقوم فيها سفير لواحد من أعتى الأنظمة السلطوية في المنطقة بتلقين درس في حقوق الإنسان لأوروبا. بيان سعادة السفير هو مجرد «كيد سياسي» ليس أكثر، ويبدو أن من يعدّون له بياناته وتقاريره، سواء من الجهات النافذة في الدولة أو من وزارة الخارجية، يورّطونه من حيث لا يدري، في معركة خاسرة وساذجة من معارك «دون كيشوت»، تجعله أضحوكةً أمام بقية الدول.
لا يختلف سعادة السفير المصري كثيراً عن سفير بشار الأسد في الأمم المتحدة، بشار الجعفري، الذي لا تخلو بياناته وكلماته من تبجّح ووقاحة سياسية، حين يقف مخاطباً زملاءه في مجلس الأمن، مهاجماً كل من يعترض على عمليات القتل والإبادة التي تجري بحق السوريين، ملقناً إياهم درساً في الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان بشكل مقزّز، كأنهم ينهلون من كأس «المكايدة السياسية» نفسها، وذلك من أجل المداراة على جرائم أنظمتهم وانتهاكاتهم البشعة لحقوق البشر، وأهمها الحق في الحياة. بيد أن ما أوصل هؤلاء السفراء «المغاوير» إلى هذه الحال من التبجّح و«البلطجة» في توجيه النصح لنظرائهم الأوروبيين هو صمت الحكومات الغربية علي فظائع الديكتاتوريات في مجال حقوق الإنسان، بل ومداهنتها لها تحت مظلة «الحرب على الإرهاب»، وهو ما شجّع ممثلي هذه الديكتاتوريات على مهاجمتهم، وتعنيفهم وتوجيه الدروس لهم على الملأ، ومن دون خجل.
لا يستحق سفراء السلطوية سوى الأسى والحسرة على خطابهم وسلوكهم البائس الذي وصل إلى درجة أنهم يرون كل نقيصةٍ في غيرهم، بينما أصابهم العمى تجاه ما تقوم به أنظمتهم من سحل وقمع واختطاف واعتقال وتصفية لكل من يخالفهم الرأي.