تتسع دائرة الرفض في اليمن لسياسات التحالف العربي، الذي تقوده السعودية، أكثر من أي وقت مضى، وبدأت في اجتياح الأوساط الرسمية لحكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، تقابله مساع حثيثة لتطويقها، عبر إجراءات الهدف منها إخفاؤها وتغييبها عن المشهد.
وتبذل السعودية والإمارات جهوداً كبيرة لمقارعة حالة الرفض هذه المتنامية بين أوساط اليمنيين بوسائل شتى.
انتقال الانتقادات إلى الدوائر الحكومية بات يشكل مبعث قلق لدى الرياض وأبوظبي، ولذلك مارست ضغوطاً شديدة، لمنع تصاعدها، لكن ذلك لم يمنع من تنامي غضب الشارع اليمني، الذي بدأ فعلياً يفقد ثقته تماماً بالتحالف العسكري الذي يرفع شعار دعم الشرعية، وفقاً لمراقبين.
كان آخر هذه الأصوات وزير الدولة اليمني، صلاح الصيادي، الذي خرج بتصريح مثير يوم الأحد الماضي، عندما طالب اليمنيين بالخروج في مظاهرات وإقامة اعتصامات، للمطالبة بعودة الرئيس هادي إلى بلاده، في تلميح منه إلى أن يواجه قراراً يضعه «قيد الإقامة الجبرية» في مقر إقامته بالعاصمة السعودية.
وبعد 48 ساعة من دعوته تلك، أعلن الوزير الصيادي مغادرته مدينة عدن التي يقيم فيها، جنوبي البلاد، إلى جهة غير معلومة. وقال، في منشور عبر حسابه بموقع «فيسبوك»، إنه يغادر وفي قلبه غصة وألم، ولكنه تعهد بالعودة إليها، «إما رجل دولة أو فاتحاً»، على حد قوله.
اختفاء
ولم يستبعد ناشطون أن يكون الوزير الصيادي تعرّض لضغوط أجبرته على مغادرة المدينة، على خلفية دعوته للتظاهر لأجل عودة هادي.
وفي هذا السياق ذاته، جاء اختفاء نائب رئيس الحكومة، عبد العزيز جباري، فجأة، من المشهد السياسي، على خلفية انتقاداته الموجهة لدور التحالف في اليمن.
وفي مقابلة تلفزيونية مع فضائية «يمن شباب»، في كانون الأول 2017، كشف جباري فيها عن خذلان التحالف، وعدم جدّيته في حسم المعركة ضد الحوثيين.
وحذر جباري، الذي يشغل منصب أمين عام حزب العدالة والبناء (موال للشرعية)، من نتائج كارثية إذا استمرت المملكة والإمارات في سياساتهما غير الصحيحة، التي لا تتناسب مع الهدف الذي تم التدخل بموجبه، وهو استعادة الدولة، وتمكين الشرعية من بسط سيطرتها على الأراضي اليمنية.
وحول أسباب اختفائه، عُلم من مصادر مقربة من نائب رئيس الحكومة الشرعية «جباري»، أن تصريحاته جلبت له نقمة قيادة التحالف، وتعرض لانتقادات من قيادات التحالف، قبل أن ينتقل إلى العاصمة المصرية.
وأضافت المصادر، أن جباري يقيم حالياً في القاهرة، ولم يعد إلى محافظة مأرب، التي كان يقيم فيها، منذ تحركاته التي سبقت لقاءه التلفزيوني، ومنها زيارته إلى مدينة تعز (جنوب غرب) في تشرين الأول 2017.
ووفقاً للمصادر، فإن جباري يقضي إجازة قصيرة حالياً، بعدما طلب منه «خفض التصعيد» في تصريحاته ضد أداء التحالف العربي، بحكم موقعه في الشرعية، حيث يعد الرجل الثاني في حكومة هادي.
تجميد
بموازاة ذلك، لم تكن حالة جباري الوحيدة، بل برزت بوادر من قبل قيادة التحالف لإسكات المعارضة، التي تتسع خارطتها يوماً بعد الآخر إزاء الانحرافات التي باتت عنواناً عريضاً لدور التحالف الذي جاء لإعادة الشرعية، وهو شعار بات يتردد على الأسماع، وفقاً لما ذكره مسؤول يمني رفيع.
وكثيرة هي الشواهد من هذا النوع، فقد تعرض حزب الإصلاح لضغوط سعودية، لتجميد عضوية الناشطة اليمنية توكل كرمان في الحزب، على خلفية انتقاداتها لسياسات المملكة والإمارات في جنوب البلاد.
وذكر الحزب، ذو التوجه الإسلامي، في بيان نشره على موقعه الإلكتروني، أن «ما صدر عن توكل كرمان لا يمثل الحزب ومواقفه وتوجهاته، ويعد خروجاً عن مواقف الإصلاح. وبناء على ذلك، قررت الأمانة العامة للحزب (أعلى هيئة سياسية فيه) تجميد عضويتها فيه، استنادا للوائح الداخلية، بعدما بذل الحزب جهوداً لإثنائها عن تصريحاتها التي لا تمثل مواقفه.
وأشارت الناشطة اليمنية إلى أن «السعودية والإمارات حوّلتا الشرعية والأحزاب اليمنية، وفي مقدمتها الإصلاح، إلى رهائن مستلبة الإرادة، ومتحكم في قرارها، وهم من يحتاجون الوقوف والتضامن معهم حتى يتحرروا من الارتهان.
وتشير مؤشرات الواقع إلى أن حالة الانكسار والإحباط التي أصابت اليمنيين، جراء ما يصفونه «خذلان التحالف»، ستعزز فرص الاتساع لرقعة المعارضة لإداء هذه الحلف العسكري، وستخرج أصوات أخرى إلى العلن، مع دخول الحرب عامها الرابع.}