العدد 1445 /13-1-2021

لقد كان أخي الحبيب الدكتور عصام العريان متفرداً في كل مراحل حياته حتى توفاه الله وأشهد له بذلك منذ بداية معرفتي به في عام 1977م، حيث التحقت بالحركة الطلابية الإسلامية في جامعة المنيا (في صعيد مصر)، وكان د. عصام رمزاً طلابياً إسلامياً بارزاً في جامعة القاهرة مع رفيق دربه وأخيه د. عبد المنعم أبو الفتوح (فرج الله كربه).

كان د. عصام يزور المخيمات الطلابية الإسلامية التي تُعقد في الجامعات المختلفة ومنها جامعتي المنيا متحدثاً وخطيباً مفوهاً وحافظاً لكتاب الله وهو شاب، والتقينا مرات عديدة بعد ذلك في كلية طب القصر العيني، واللقاءات المركزية التي كانت تُعقد لرموز الحركة الطلابية الإسلامية على مستوى الجامعات المصرية، حتى ارتبطنا بالإخوان وكان ذلك بالنسبة لي عام 1979م، وقد سبقنا إلى ذلك أخي د. عصام لعلها قبلها بسنة أو سنتين، وحضرنا سوياً لقاءات عدة.

ثم جاءت فرصة دعوة للمشاركة في مؤتمر شبابي إسلامي في ماليزيا عام 1980م، فسافرت معه وكنا نحن الإثنان فقط ممثلين عن مصر، وكان هذا المؤتمر الذي تستضيفه حركة الشباب المسلم الماليزي (أبيم) والتي كان يرأسها في ذلك الوقت أنور إبراهيم الذي أصبح بعد ذلك نائباً لرئيس الوزراء، ومكثنا مدة أسبوعين هناك تجولنا في عدة ولايات بعد انتهاء المؤتمر نلتقي بالشباب الماليزي وكان هو يتحدث إليهم وأنا أشارك معه، ثم عدنا من ماليزيا إلى السعودية بتأشيرة عمرة حصلنا عليها هناك في (كوالالامبور) ومكثنا سوياً أسبوعاً في الحرم المكي قبل العودة إلى القاهرة وكانت صحبته جميلة ومميزة.

ولا أنسى حضوره إلى المنيا لحضور عقد قراني بمسجد الفتح يوم 29/11/1984م، مع إخوة كرام آخرين مثل المرحوم الشيخ عبد العزيز العشري، ود. إبراهيم الزعفراني، ود. عبد المنعم أبو الفتوح وخالد الزعفراني.

ثم انتقلنا إلى مرحلة العمل النقابي حيث بدأ هو مع أخيه د. عبد المنعم الدخول إلى نقابة الأطباء في عام 1984م، ثم دخلنا نحن نقابة المهندسين عام 1985م، ليصبحوا هم أغلبية في نقابة الأطباء عام 1986م.

ونحن أغلبية في نقابة المهندسين عام 1987م وتولى عدة مواقع في نقابة الأطباء كالأمين العام المساعد وأمين الصندوق.

وتشاورنا سوياً وقمنا بدعوة عدة نقابات مهنية للتنسيق فيما بيننا وأطلقنا عليها لجنة التنسيق بين النقابات المهنية، وقد تم اختياري مقرراً لهذه اللجنة، وهو كان أحد أركانها الأساسية ومن ثمرات أعمال هذه اللجنة كانت هناك مؤتمرات كبيرة ناقشت قضايا عديدة منها قضايا ثقافية وأخرى وطنية عامة، شارك فيها مئات من النقابيين من معظم النقابات المهنية وشخصيات عامة فكرية وثقافية وسياسية، وكان من أهم هذه المؤتمرات مؤتمر الحريات والمجتمع المدني والذي كنا نعد له سوياً (أخي د. عصام وأنا) فكنا نذهب لبعض الشخصيات العامة لزيارتها ودعوتها ومناقشتها في فكرة المؤتمر، وكان من هذه الشخصيات د. وحيد عبد المجيد رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الحالي وكان وقتها خبيراً بالمركز، فاقترح علينا طرح فكرة عمل وثيقة وفاق وطني بين القوى الوطنية كأساس للتحول الديمقراطي، فاقترحنا عليه عمل ورقة بهذا المضمون يلقيها في المؤتمر وقد كان.

كان من نتائج هذا المؤتمر الذي انعقد في 15 و16 تشرين الأول (أكتوبر) عام 1994م بنقابة الأطباء، أن تم الاتفاق على تشكيل لجنة بهذا الإسم لجنة وثيقة الوفاق الوطني وتم اختيار المستشار الجليل يحيى الرفاعي (رحمه الله) مقرراً لهذه اللجنة وعضوية عدد كبير من الشخصيات السياسية والوطنية وكان من المقرر أن يكون أخي د. عصام وأنا منسقين لعمل هذه اللجنة، ولكن مع بداية عملها تم اعتقال د. عصام في يناير 1995م، فقمت بهذا الأمر مع زميلي باللجنة الفنان شفيع شلبي عضو مجلس نقابة المهن التمثيلية الذي كان نشيطاً في عمل لجنة التنسيق.

وقد حدث أثناء وجوده في السجن منذ عام 1995م، حيث حُكم عليه في محكمة عسكرية بالسجن لمدة خمس سنوات أن وقعت أحداث مشكلة حزب الوسط مع قيادة الإخوان، وكان هو مع أخي د. عبد المنعم أبو الفتوح داعمين لفكرة حزب الوسط، وقد أرسلا لي رسائل تضامن بهذا الخصوص وما زلت أحتفظ بها، بل حين تطورت المشكلة حين قامت قيادات الإخوان وعلى رأسهم المستشار/ مأمون الهضيبي (رحمه الله) بالضغط على المؤسسين الذين كانوا من الإخوان لانسحابهم من الحزب وتم رفض الحزب في المرة الأولى، ثم أعددنا قائمة أخرى من المؤسسين، أرسل اقتراحا لأخيه الأكبر المهندس/ محمد الكاشف العريان طلب منه الانضمام للمؤسسين، حيث أنه كان وكيل وزارة الإسكان ولم يكن من الإخوان.

وقد كان، فلقد انضم المهندس محمد الكاشف للمؤسسين في المرة الثانية وقد تُوفي إلى رحمة الله بعد ذلك.

لم نكن نلتقي بعد تركي الإخوان عام 1996م، إلا في الاحتفالات واللقاءات التي تتم بعيداً عن الإخوان مثل المؤتمر القومي ـ الإسلامي الذي كان يُعقد في أغلب الأحيان في بيروت، حتى تم اختياره منسقاً عاماً لهذا المؤتمر لمدة سنة واحدة حيث اعتذر بعد منعه من السفر.

ثم التقينا بعد ثورة 25 يناير 2011م، وخاصة في الجمعية التأسيسية التي صاغت دستور 2012م، وكان كما هو بشوشاً نشيطاً حاضر الذهن والبديهة، حتى أحداث 30 يونيو و3 يوليو 2013م، ودخولي ودخوله السجن، فلم أره إلا مرة واحدة، حيث كان هو في سجن العقرب وكنت في سجن ملحق مزرعة طرة، وأثناء عرضي على المحكمة في معهد أمناء الشرطة لتجديد حبسي، كان هو أيضا مع مجموعة من قيادات الإخوان موجودين لعرضهم لتجديد حبسهم، فسلمنا على بعضنا سلاماً حاراً سريعاً، وكانت هذه آخر مرة أراه وجهاً لوجه، حتى جاء الخبر الصدمة يوم وفاته في 13 آب (أغسطس) 2020م، والصفة التي أخذتها له رحمه الله في كل هذه المراحل أنه كان متفرداً عن الآخرين شاباً وكهلاً وشيخاً، رحمه الله رحمة واسعه وغفر له ذنوبه كلها وأدخله برحمته الفردوس الأعلى ..... اللهم آمين.

أبو العلا ماضي