العدد 1373 / 7-8-2019

لأول مرة منذ اندلاع الحراك الشعبي بالجزائر يوم 22 شباط الماضي، ترتفع الأصوات من داخل مسيرات "الجمعة 24" مهدّدة بالإضراب الشامل والدخول في عصيان مدني.

وجاءت تلك الشعارات التصعيدية عقب خيبة الأمل التي خلفها الإعلان عن قائمة "لجنة الحوار" قبل عشرة أيام، وما رافقها من تخبط حال دون شروعها حتى الآن في مهمة الوساطة، خصوصا بعد رفض الجيش أي شروط مسبقة للتهدئة.

وبقدر ما يتحمس المؤيدون لفكرة العصيان المدني لاجتثاث النظام، فإن الكثيرين داخل الحراك يحذرون من الخطوة، بل يشككون في خلفياتها.

آخر الأوراق

وقال الناشط عبد الفتاح جحيش "بعد خمسة أشهر من التلاعب والمناورات، حان الوقت لاختبار قدرة الحراك على فرض خياراته وإثبات وجوده واختبار جدية النظام والجيش في مرافقة التغيير والانتقال الديمقراطي".

وأكد جحيش، وهو أستاذ بجامعة جيجل، أن "العصيان المدني وسيلة للضغط على النظام، لإجباره على تنفيذ مطالب الشعب في حال استمر في عناده وتجاهله".

وأوضح أنه رفض مثل كثيرين اللجوء إلى العصيان في البداية "لأن المرحلة لم تكن حرجة ولا حاسمة، ولم ينضج حينها الحراك بما يكفي لتلك الخطوة التي تحتاج إلى توعية واسعة، أما اليوم فقد صار حتميّة".

ويعتقد المحامي عبد غاني بادي أن "الأوساط المُنادية بالعصيان المدني ترى أن السلطة تراوغ وتناور لإخراج انتخابات على مقاسها، من خلال تمسكها بخيارات دستورية لم تعد توحي بأنها قادرة على إنتاج تحول حقيقي".

عقل الدولة العميقة

ويرى نور الدين بكيس، أن "ما شهدته مسيرات الجمعة 24 من دعوات للعصيان المدني ليست تعبيرا عن صيرورة الحراك، وإنما إيذانا بالسيطرة النسبية للعقل السياسي للدولة العميقة على التأثير في توجه المظاهرات".

وأوضح بكيس، وهو أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر، أن "الغاية الرئيسية من تلك الدعوات لا تستهدف تغيير أو إسقاط النظام، لأن الدولة العميقة أدرى الناس بقوة النظام الأمنية، وحتى أقل المواطنين وعيا لا يعتقدون بإمكانية إسقاط النظام".

وأضاف "العقل السياسي للدولة العميقة يحتاج إلى العصيان المدني كمدخل لتعفين الأوضاع، للتخندق من جديد داخل السلطة، من خلال اعتماد التدخل الأجنبي لإعادة التموقع".

وشدد بكيس في تصريح له على أن "أخطر ما يتهدد الحراك هو الاستثمار في نفسية المجتمع المحبط، عندما لا يرى حلولا في الأفق، وهذا ما تعمل على زرعه الأذرع الإعلامية للدولة العميقة، كي تصنعا وعيا مناسبا لدى الجماهير المحتجة لخدمة أجنداتها".

وعن إمكانية استجابة الجزائريين لخيار العصيان، يجزم جحيش أن المواطنين جاهزون، لأن الإرادة الشعبية نحو التغيير في تصاعد مستمر، مضيفا "استجابة النظام للمطالب تبقى مأمولة، تفاديا لأي سيناريو آخر لا تحمد عقباه".

ويرى المحامي بادي أن الصورة غير واضحة حول العصيان الرائج، فهو يأخذ في الأصل عدة أشكال تقترب كثيرا من الإضراب الشامل، لكن تبقى خطورته مرتبطة بكيفية تعامل السلطة معه ورد فعلها، مؤكدا أن "بداية أيلول ستكون فاصلا في مسألة العصيان".

وأضاف أن المجتمع الجزائري يختزن وعيا كافيا يسمح بالمراجعة، وإبطال مثل تلك المغامرات من داخل الحراك، على حد تعبيره.

ويؤكد أن "عشرات الآلاف يراقبون مساره، ويتدخلون عند حدوث الشرارات الأولى" لإمكانية إنتاج التصرفات العنيفة "لأنهم يعلمون أن العنف يُولد بالفعل ورد الفعل العنيف".