في أقل من شهر قام الحكم العسكري في مصر بإعدام ما يقرب من عشرين شخصاً، معظمهم في محاكمات عسكرية، رغم أنهم مدنيون ومتهمون في قضايا مدنية، في محاكمات لا يثبت فيها دليل واحد للإدانة، فضلاً عن أن يحكم فيها بالإعدام، وتكرار هذه الجريمة في أقل من شهر، وما يلوح في الأفق من نيّة الحكم العسكري الاستمرار في هذه السياسة. وقد قال المجلس العسكري لوزير خارجية قطر وقت الانقلاب العسكري الدكتور خالد العطية: نحن ليس لدينا مانع أن تكون مصر جزائر أخرى، ونضحي بقتل مليون مواطن، مقابل أن نظل في الحكم.
هذه الأحداث كشفت بجلاء عن ازدواج المعايير عند الغرب في تعامله مع قضايا العالم الإسلامي والعربي، ففي الوقت الذي يغض الطرف عما يفعله عبد الفتاح السيسي وحكم العسكر في مصر، من تنكيل بالبرآء، وتعذيب في السجون، وقتل خارج القانون، وقتل بالقانون من خلال محاكمات هزلية، لا تمت للنظام القضائي بصلة، اللهم إلا قضاء القاضي حلاوة، في القصة الساخرة التي تناولها العمل الدرامي المصري: (علي الزيبق)، بينما لنا أن نتصور لو أن حكماً واحداً من هذه الأحكام صدر في دولة كتركيا، في ظل حكم الرئيس أردوغان لها، فضلاً عن تنفيذ الحكم، لرأينا الغرب عن بكرة أبيه ينتفض، ويرفض، ويهدد ويتوعد، ليثبت الغرب انحطاطاً أخلاقياً في سياسته لا تزيده الأيام إلا رسوخاً واستقراراً في أذهان الجميع، فعلى مدار ساعات كانت مجزرة رابعة العدوية تنقل على الهواء مباشرة، ويطلع عليها العالم الغربي كله، دون أي نكير.
يظل داخل الناس إحساس كبير بالعجز حيال هذا الإجرام من حكم العسكر، والاستهانة بحياة الناس، كأنهم أرقام لا قيمة لها، ويجعل الناس تتساءل: أين عقاب الله من هؤلاء الظالمين؟
هناك تقصير من معسكر الشرعية بلا شك، فالجهود المبذولة محلياً وإقليمياً ودولياً في ملف حقوق الإنسان، وأحكام الإعدام، دون المستوى المطلوب، ومنذ ما يقرب من ثلاثة أعوام ونحن ننبه على خطورة هذا الملف، وقد تم عقد اجتماع لمعظم ناشطي التيار المدني والإسلامي، بعنوان: لا للإعدامات، قبل تنفيذ أي حكم، وكانت كلمة الجميع موحدة على رفض هذا النهج في ظل غياب العدالة، وتوافر أدنى شروطها، ولكن الملف يحتاج إلى تخصص وإنفاق يليق بهذه القضية وخطورتها. فنحن نفتقد للتخطيط الاستراتيجي طويل الأمد، ونحتاج للإنجاز في هذا الملف، بأن يقوم به مختصون مهرة، وأن يزداد عدد المهتمين به أكثر من الموجودين حالياً، على فضلهم وجهدهم، لكنه جهد لا يكفي، ليس لتقصير القائمين عليه، بل لقلة العدد، وقلة الموارد التي تعين عليه.
ويظل داخل الناس إحساس كبير بالعجز حيال هذا الإجرام من حكم العسكر، والاستهانة بحياة الناس، كأنهم أرقام لا قيمة لها، ويجعل الناس تتساءل: أين عقاب الله من هؤلاء الظالمين؟ وعقاب الله لم ولن يتخلف عن الظالم القاتل، سواء في الدنيا أو الآخرة، حتى عند عجز المظلوم عن نيل حقه، فإن الظالم لا يهنأ بجريمته، والتاريخ ذكر لنا نموذج الحجاج بن يوسف الثقفي عندما قتل سعيد بن جبير، هذا المفسر والعالم الفقيه، ودعا عليه سعيد: اللهم لا تسلّطه على أحد من بعدي. وبعد قتله كان الحجاج يقوم فزعاً من نومه، ويصرخ: مالي ولسعيد، مالي ولسعيد، حتى مات بعده بمدة قصيرة، بعد أن ذاق ويلات العذاب النفسي، والألم الذي لا يفارقه.
واللواء فؤاد علام الذي عرف بين مسجوني الإخوان بملك التعذيب، الذي ذكر بنفسه أنه حضر لحظات إعدام الشهيد سيد قطب رحمه الله، وأنه وقف خارج غرفة الإعدام ولم يدخل، وسمع صوت طبليّة الإعدام بعد سحبها من تحت قدم الأستاذ سيد، يقول: ظللت شهراً كاملاً أقوم من نومي مفزوعاً وأصرخ، ويرنّ في أذني صوت طبلية الإعدام. فلا يدري أحد ما أعده الله عزّ وجل للظالم من عذاب نفسي، وألم لا يفارقه، وإن لم يره الناس!!}