العدد 1512 /18-5-2022


بقلم: وليد التليلي

لا يسير حوار الرئيس التونسي قيس سعيّد وفق ما كان يتوقعه، إذ تتالت مواقف المنظمات التي كان يعول عليها، مؤكدة رفضها المشاركة في حوار صوري تُرسم مخرجاته مسبقاً.

وتسير تونس بخطى سريعة نحو مأزق سياسي واجتماعي كبير، تتسارع التحذيرات من وصوله إلى انفجار وشيك، بسبب تزامنه مع أزمة اقتصادية غير مسبوقة وانهيار متسارع للدينار التونسي، بينما يتصرف سعيّد وكأن شيئاً لم يكن.

وحذّر النائب في البرلمان الأوروبي خافيير نارت، الأربعاء، من أزمة كبيرة تتهدد تونس، وصل الحد فيها إلى عجز البلاد عن دفع ثمن باخرتين محملتين بالقمح، تكفل بهما الاتحاد الأوروبي، بحسب تأكيده.

وفي اجتماع للجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي، قال نارت إن "الوضع الاقتصادي في تونس كارثي، والرئيس لا يستمع لأحد، ونحن نواجه مشكلة الوقت، وهو رئيس ميتافيزيقي قادم من عالم أكاديمي ويرى أن الحل لا يأتي إلا منه، لأن الشعب هو قيس سعيّد وقيس سعيّد هو الشعب"، بحسب تعبيره.

وقال المسؤول الأوروبي إن "الاتحاد العام التونسي للشغل يمكن أن يساعد، وعليه أن يتحرك، وكذلك رجال الأعمال، والمحامين، وجمعيات حقوق الإنسان، والأحزاب السياسية أيضاً، لأنه لا يوجد بديل آخر سوى ديكتاتورية المتوحّد الجامد في تفكيره، والبلاد تحتاج إلى حوار شامل حقيقي مع القوى الحقيقية في الداخل، وليس تلك التي يقررها".

هذه المنظمات، التي قال سعيّد إنه سيُشركها في الحوار، تقاربت مواقفها بشكل ملحوظ في الأيام الأخيرة، وشدّدت أغلبها على رفض المشاركة في حوار صوري من أجل التسويق الإعلامي.

وحتى الهيئة الوطنية للمحامين صوبت موقف عميدها إبراهيم بودربالة، الداعم للرئيس من دون قيد أو شرط. وأعلن مجلس الهيئة، الأربعاء، أن الحوار الوطني "هو خيار إيجابي ومن أهم السبل لتجاوز الأزمة"، موضحاً أن ذلك "لن يكون إلا بحوار جدي وشامل، من دون شروط مسبقة، لا يستثنى منه إلا من استثنى نفسه أو ثبت فساده ومشاركته في استفحال الأزمة السياسية أو من يسعى إلى تقسيم البلاد وضرب وحدتها أو محاولة تركيز مؤسسات موازية".

وقال المجلس إنه "لا يقبل أن يكون الحوار شكلياً وبمخرجات مسبقة، وهو مع وضع كل الأفكار على الطاولة"، معبّراً عن رفضه "تهميش القوى السياسية والمنظمات الوطنية".

وكانت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان قد عبّرت، في بيان لها منذ أيام، عن استعدادها للمشاركة "في كل ما قد يساعد على الخروج من الحالة الراهنة، شرط أن يكون ذلك ضمن رؤية تشاركية ملزمة لكل الأطراف، ومن دون ضوابط معدّة مسبقاً، رؤية تشارك فيها منظمات المجتمع المدني الفاعلة والأحزاب غير المسؤولة عن الأزمة الأصلية، ويكون هدفها الأول الاستجابة لمطالب الشعب في دولة مدنية تضمن الفصل بين السلطات وتصون مختلف الحقوق".

وقال رئيس الرابطة جمال مسلم، في تصريح لوكالة "تونس أفريقيا" للأنباء، إن "الرابطة ترفض المشاركة الصورية".

وتضاف هذه المواقف إلى رفض الاتحاد العام التونسي للشغل "لأي حوار شكلي مشروط غير ذي جدوى يهمّش القوى السياسية الوطنية والاجتماعية الفاعلة". وأضاف اتحاد الشغل في بيان له، الأسبوع الماضي، أنه "بقدر التزامه بالحوار، فإنه يسجّل التأخر في الدعوة إليه ويرفض تقديم الدروس والتحذيرات ولعب دور الوصاية على الاتحاد، كما يطالب بتوضيحات حول ملابساته".

وجدّد الاتحاد دعوته "إلى حوار حقيقي مباشر واسع لا قرارات مسبقة فيه ولا تزكية لاستنتاجات معدّة له سلفاً"، داعياً إلى "الاتفاق على أهداف الحوار وإطاره وعلى أطرافه ومحاوره وأشكال إنجازه وأجندة أشغاله قبل إصدار أي أمر في الغرض".

وترفض كل الأحزاب المعارضة المشاركة في كامل المسار الذي يطرحه سعيّد، وهي أصلاً غير مدعوة لهذا الحوار، لأنه كما يقول سعيّد "حوار مع الصادقين والوطنيين ومساندي مسار 25 يوليو".

ولكن الحزب الدستوري الحر، المعارض هو الآخر، يرفض المشاركة، وحتى حركة الشعب المساندة لسعيّد، اعتبرت في بيان لها منذ أيام، أن "إعلان رئيس الجمهورية إطلاق الحوار الوطني، أحد ضمانات انتصار مسار 25 يوليو وضرورة توفير شروط نجاحه، على أن لا يكون شكلياً ومتسرّعاً لضمان تحقيق أهدافه".

سعيّد، الذي قال بداية إنه سيشرك أربع منظمات في الحوار، في إشارة إلى الاتحاد العام التونسي للشغل، والهيئة الوطنية للمحامين في تونس، ومنظمة رجال الأعمال، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، اضطر أمام هذه المواقف على ما يبدو إلى دعوة منظمة خامسة، وهي اتحاد الفلاحين، ولكنه اجتمع، الأربعاء، بنائب رئيسها نور الدين بن عياد، وليس برئيسها عبد المجيد الزار، المتهم بقربه من حركة "النهضة."

وأكد سعيّد أنّ "من سيمثّل الاتحاد في (تأسيس الجمهورية الجديدة) هم من يحملون بالفعل قضايا هذا القطاع الحيوي الذي أبرزت نتائج الاستشارة الإلكترونية أن الجزء الأكبر من التونسيين والتونسيات يعتبرون أن الحل للاقتصاد الوطني يتمثل في النهوض بالفلاحة"، بحسب بلاغ الرئاسة التونسية.

العميد السابق للمحامين محمد الفاضل محفوظ، وهو أحد المشرفين على الحوار الوطني في عام 2013 والحائز على جائزة نوبل للسلام مع اتحاد الشغل ورابطة حقوق الإنسان ومنظمة رجال الأعمال، أكد في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "لا خيار للشعب التونسي إلا الحوار، حتى نتجنب السيناريوهات الكارثية، وبإمكاننا البناء على مكاسب الجمهورية والدولة الوطنية وعلى ثورة 2011 ونتدارك جميع الهنات ونصلح ما يمكن إصلاحه معاً".

وأوضح محفوظ أن "مطالب الشعب التونسي تتمثل في قوته اليومي والصحة والتعليم والنقل والمسائل الاجتماعية والاقتصادية الجوهرية، وهذا لا يمكن أن تتخذ فيه قرارات إلا في مناخ سياسي مستقر يعكس بحق الإرادة الشعبية".

وشدّد محفوظ على أن "الإرادة الشعبية في تونس لا تمر إلا عبر المنظمات الوطنية والجمعيات الناشطة والأحزاب السياسية، وكل من لديه كلمة يريد أن يعبّر عنها فهو مرحب به وهذا هو معنى الحوار الوطني".

وبيّن العميد السابق للمحامين أن "الحوار لا يمكن أن يكون بين أطراف من اللون نفسه والتوجّه نفسه، بل يكون بين المختلفين، وأما من تعلقت به جريمة أو فساد فليحاسب قضائياً، فالحوار مبدئياً يكون بين الجميع إلا من أقصى نفسه، ولكن لا يمكن إقصاء الناس وتقسيم التونسيين بشكل عشوائي".

ورأى محفوظ أن "تجربة الحوار الوطني في 2013 كانت مختلفة وليس من الضروري أن يتم استنساخها في حوار 2022، ويجب أن يكون مدمجاً وفيه جميع الحساسيات"، ولفت إلى أن "الهدف هو إصلاح هنات الجمهورية الثانية، ولإصلاحها يجب إشراك الجميع لأن العملية تتطلب مشروعية قبول كل التونسيين ولا ننسى الأجسام الوسيطة، أي الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية".

وشدّد العميد السابق للمحامين على أن "المنظمات الوطنية هي منظمات عريقة ولديها المشروعية التاريخية والمصداقية ولديها دور مهم ولا يمكن تدجينها ولا وضعها كديكور في حوار وطني مضامينه غير واضحة أو مسقطة، وبالتالي لا يمكنها أن تشارك بهذا الشكل"، وأكد أن "المنظمات متفقة تقريباً على أن الحوار ضروري ولكن لا يجب أن يكون صورياً".

كما أشار إلى أنه من "الضروري وضع ميثاق حول النظام الجمهوري وتوازن السلطات بلا انفراد سلطة بالقرار، وإصلاح هنات دستور 2014 الذي يشمل إيجابيات كثيرة، والاتفاق على المسائل الحارقة الاقتصادية والاجتماعية، ولكن على التونسيين أن يجلسوا على طاولة واحدة قبل أن يندموا على عدم فعل ذلك".