ضياء خليل

تعيد حركة فتح بناء نفسها في قطاع غزة، بعد سنوات من الإهمال التنظيمي، وغياب الرؤية الواضحة للأزمات والأحداث التي تعصف بالوضع الوطني وبالداخل الغزّي. وأُعلن في القطاع عن تشكيل الهيئة القيادية العليا لقيادة «فتح»، يضاف إليها المجلس الاستشاري لدعم الهيئة. والهدف من هذا التغيير يتمثل في إعادة بناء التنظيم وإعادته للواجهة بعد سنوات من غيابه. 
وما عجّل من هذه الخطوات، وفق مراقبين ومطلعين، التفاهمات الأخيرة التي جرت بين حركة حماس والقيادي المفصول من «فتح» محمد دحلان، التي تمت برعاية القاهرة. وكانت «فتح» في السابق تعاني من أزمة ملاحقات تقوم بها أجهزة أمن «حماس» وجهاز الأمن الداخلي، لكن هذه الملاحقة تقلصت إلى الحد الأدنى وإن لم تنته بالكامل، مما قد يساعد التنظيم، على المضي قدماً في تقوية الصف «الفتحاوي». لكن «فتح» داخلياً تعاني من غياب وعي تنظيمي متنام، في ظل النقمة الداخلية على السلطة الفلسطينية التي قلصت رواتب موظفيها في غزة، وغالبيتهم من «فتح» أو موالون لها، وأمامها أزمة الانقسامات التنظيمية التي نتجت من نشاط تيار «دحلان» المتزايد في الفترة الأخيرة.
ومع هذا الغياب، كانت الحركة تشكو أيضاً من تجاهل السلطة الفلسطينية وقيادة «فتح» في الضفة الغربية للحركة في القطاع، وغياب الموازنات التشغيلية، وهو ما أنهك التنظيم الذي كان قوياً حتى بعد سيطرة «حماس» على غزة منتصف عام 2007. ويأتي تشكيل الهيئة القيادية، مع المجلس الاستشاري المحلي لـ«فتح» في غزة، كخطوة يراد لها تقوية التنظيم وإعادة إنعاشه بعد «موته السريري» الطويل. لكن مختصين يحذرون أيضاً من أن تشكيل الهيئة قد يكون فرصة لتخلّص السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية من أوساط «فتح» بغزة عبر تحميلها مسؤولية الفشل، في حال أحجمت عن تحقيق الأهداف التي أنشئت الهيئة لأجلها.
ويقول القيادي في حركة فتح، يحيى رباح، إنّ الغرض من تشكيل هيئة قيادية جديدة للحركة في غزة هو العمل على ضخ دماء جديدة تعمل على تنشيط العمل في القطاع، ويجري القيام بمثل هذه الخطوة في كل فترة خصوصاً بعد وصول قيادة جديدة للحركة في أعقاب المؤتمر السابع. ويضيف أن جميع الأسماء الجديدة التي طرحت في المجلس الاستشاري والقيادة للحركة في غزة هم ممن شغلوا مناصب قيادية خلال أعوام سابقة ولديهم خبرات طويلة في العمل التنظيمي، تمكنهم من تنشيط واقع «فتح» في القطاع. ويؤكد القيادي في الحركة على أهمية قرارها لأنه سيؤدي لانعكاسات إيجابية على وضعها في غزة، في ضوء الواقع الصعب الذي يعيشه كوادر وعناصر الحركة بسبب الخلافات مع «حماس»، وفق تعبيره. 
ويؤكد رباح أن هناك إجراءات من قبل الأجهزة الأمنية التابعة لـ«حماس» التي تمنع التنقل للعديد من قيادات «فتح» الموجودة في القطاع، في إشارة إلى منع أمن غزة قيادات «فتحاوية» من المغادرة إلى رام الله، مما حال دون التحاقهم باجتماعات مركزية للحركة. ويتهم القيادي «الفتحاوي» حركة حماس التي تدير شؤون القطاع منذ عام 2007، بالتحكم في العمل الفصائلي، وفرض قيود شديدة على مختلف الفصائل الفلسطينية في غزة وعلى رأسها حركة فتح، عبر إجراءات مشددة تقوم بها الأجهزة الأمنية خلال الفترة الماضية.
ويلفت الكاتب والمحلل السياسي، طلال عوكل،  إلى أن التطورات الجارية والتوقعات والتفاهمات الأخيرة بين مصر و«حماس» وتيار دحلان، تجعل من تشكيل الهيئة القيادية والمجلس الاستشاري لـ«فتح» في غزة، خطوة غير اعتيادية. ويلفت إلى أن حركة فتح خلال السنوات العشر الماضية لم تتوقف عن تغيير الهياكل القيادية، وهذه ليست المرة الأولى، مبيناً أن هذه الخطوة «ربما تعني محاولة لإعطاء استقلالية أكبر لفرع الحركة في القطاع على ضوء التطورات الأخيرة».
في هذا السياق، يوضح عوكل أن هناك خشية من أن تكون الهيئة الجديدة شكلاً من أشكال منح الاستقلالية للتنظيم حتى يتم تحميل تنظيم فتح في غزة المسؤولية عن أزمات وأدوار كبيرة، لا يمكن عملياً تحملها إذا ترك إقليم قطاع غزة دون إمكانات كبيرة، ودون سياسة عامة لـ«فتح» وللسلطة الفلسطينية تجاه غزة، بما يسمح للتنظيم في غزة بأن يقوم بدوره وأن يطوره، وفق تعبير المحلل نفسه. ويصِف «فتح» بغزة في الفترة الماضية بأنها كانت «كيس ملاكمة»، ليس عندها برنامج، ولا موازنات، ولا دور عملياً لها على الأرض، قائلاً إن السلطة و«فتح» تخشيان من تفاهمات دحلان و«حماس»، وأن السلطة كانت تنوي فرض خطوات تدريجية ضد غزة لدفع «حماس» للمصالحة، لكن هذه التفاهمات أدت لاختراق سيساهم في إنقاذ حركة حماس.}