محمد أمين

تتسارع التطورات الميدانية في شمال غربي سورية، مع إعلان الجيش التركي البدء في أنشطة وصفها بـ«الاستطلاعية» تمهد الطريق أمام دخول قوات تركية، وأخرى تتبع للمعارضة السورية، بهدف تنفيذ تفاهمات مسار أستانة في إنشاء منطقة «خفض تصعيد»، في إطار التحضير لحل سياسي مستدام يشمل البلاد كلها، من المتوقع أن يبدأ بالتبلور خلال مفاوضات جنيف المقبلة.
ويرى محللون أن لتركيا العديد من الأهداف من وراء تدخلها للمرة الثانية في سورية، لعل أبرزها وضع حدّ لمسعى كردي في إنشاء إقليم شمال سورية، تعتبره أنقرة مساساً بأمنها القومي، هي على استعداد لدخول حرب من أجل وأده. وأعلن الجيش التركي، يوم الاثنين، أنه بدأ بأنشطة استطلاعية لتأسيس نقاط مراقبة لخفض التوتر في محافظة إدلب، شمال غربي سورية، مشيراً، في بيان نقلته وكالة «الأناضول» إلى أنّ «الأنشطة الاستطلاعية تندرج في إطار التحرك العسكري الذي ستقوم به القوات التركية في إدلب، بالتنسيق مع قوات باقي الدول الضامنة لمحادثات أستانة (روسيا وإيران)». وأوضح البيان أنّ تركيا وروسيا وإيران اتفقوا على إنشاء مناطق «خفض تصعيد» خلال محادثات أستانة، بهدف إحلال وقف إطلاق النار وإنهاء الاشتباكات، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، وتوفير الظروف الملائمة لعودة النازحين إلى ديارهم، وحل الخلافات بالطرق السلمية. ولفت إلى أنّ الجيش التركي يواصل مهمته في إدلب في إطار قواعد الاشتباك المتفق عليها بين الدول الضامنة في أستانة.
وأكدت مصادر محلية، أن القوات التركية «حتى ظهر الاثنين لم تدخل إلى الأراضي السورية»، نافية أنباء نشرتها وسائل إعلام مختلفة عن دخول هذه القوات لتثبيت نقاط مراقبة في محافظة إدلب. وكان قد دخل وفد تقني عسكري تركي من معبر أطمة الحدودي إلى محافظة إدلب، منذ أيام، لتحديد مواقع ونقاط لنشر مراكز مراقبة واستطلاع تركية في ريف حلب الغربي، خصوصاً في جبل الشيخ بركات قرب بلدة دارة عزة. وأكدت مصادر أن «هيئة تحرير الشام» اتفقت مع الجانب التركي على نشر مائة مقاتل تركي بأسلحتهم الخفيفة في ثلاث نقاط استراتيجية، تُشرف على معاقل المقاتلين الأكراد، في منطقة عفرين، شمال غربي حلب.
ولعل من أهم أهداف أنقرة من وراء التدخل في شمال غربي سورية وضع حدّ نهائي لمساع كردية، يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي من خلال ذراعه العسكرية «وحدات حماية الشعب»، لفرض إقليم ذي صبغة كردية في شمال سورية. وتسعى أنقرة إلى عزل مدينة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي، التي تقع تحت سيطرة الوحدات الكردية، من خلال فتح طريق لفصائل الجيش السوري الحر من ريف حلب الغربي إلى منطقة تل رفعت، شمال حلب، التي تسيطر عليها هذه الوحدات مع قرى عربية أخرى في ريفها. وفي هذا الصدد، أعرب الدبلوماسي السوري المعارض، بسام العمادي، عن اعتقاده بأن «الأتراك بدأوا عبر التحرك العمل لمصلحتهم الوطنية بعد صمت قاتل»، وفق تعبيره، مشيراً إلى أن المصلحة التركية «تكمن في عدم إقامة دولة تفصلهم عن الجنوب (سورية والخليج العربي)»، في إشارة منه إلى الإقليم الذي تحاول أطراف كردية تشكيله على الحدود الجنوبية لتركيا. ورأى العمادي أن هناك مصلحة للمعارضة السورية من وراء التدخل «تكمن في إبقاء جيب خارج سيطرة النظام وروسيا وإيران»، مشيراً إلى أن «هيئة تحرير الشام ستضطر للقبول بحل وسط، لأنها ستنتهي إذا قررت معاندة الأتراك، فهي ليست على قدر مقاومة القوة العسكرية التركية، وفصائل الجيش السوري الحر».
وأشار الناطق باسم قاعدة حميميم الروسية، أليكسندر إيفانوف، إلى أن «دخول القوات التركية إلى مناطق في محافظة إدلب السورية يندرج ضمن اتفاق تفعيل منطقة خفض التصعيد الرابعة»، مرجحاً أن «تشهد المنطقة صراعاً مسلحاً بين القوات التركية والوحدات المرافقة لها من الجيش الحر، من جهة، ومقاتلي تنظيم جبهة النصرة من جهة أخرى»، مضيفاً أن «التنظيم المتشدد نقل جزءاً كبيراً من مقاتليه بغرض مواجهة التدخل البري التركي»، من دون أن يشير إلى المناطق التي نقلت إليها «هيئة تحرير الشام» قواتها.
وبات من الواضح أن «هيئة تحرير الشام» لم تعد على رأي واحد حيال التطورات الأخيرة، إذ انقسمت إلى تيارين، الأول يرى عدم مقاومة التدخل التركي في إدلب «إذا كان هدفه منع القصف عن المدنيين ريثما تتم إدارة الجزء المحرر»، معتبراً أي مقاومة لهذا التدخل «كارثة على الثورة، لأنها ستجر الويلات على المدنيين، خصوصاً أن تركيا تتحرك ضمن منظومة دولية ستقوم كلها بقصف الجزء المحرر بشتى أنواع الطيران في حال المقاومة». كما يرى هذا التيار أن «تركيا تبحث عن مصالحها» من خلال تدخلها الجديد في الجغرافيا السورية، وهذا يحتم على المعارضة السورية البحث عن مصالحها «من خلال تخفيف ضرر التدخل قدر المستطاع»، ودفع أنقرة للتعامل مع الموجود من الفصائل، ولا تنشئ كيانات جديدة ولا تتدخل في الأمور المدنية، وعدم قبول وجود روسي في محافظة إدلب. كما يدعو هذا التيار، الذي يرأسه قادة «الهيئة» السوريون، إلى «تغليب لغة العقل» و«نبذ الغلو، الذي لن يجدي نفعاً بأي حال من الأحوال»، مشيراً إلى أن الضرر سيعم على الجميع «في حال الانسياق وراء العواطف»، وفق تعبير مصدر في «الهيئة». وتؤكد مصادر،  أن هناك تياراً متشدداً داخل «الهيئة»، يقوده عدد من «المشايخ»، وأغلبهم من خارج سورية، وفي مقدمتهم أبو يقظان المصري، يدعو إلى الحرب وقتال القوات التركية وفصائل الجيش السوري الحر. لكن المحلل العسكري، العقيد مصطفى بكور، يرى أن هذا التيار وأغلبه من المهاجرين، ربما يلجأ إلى الصدام مع القوات التي ستدخل محافظة إدلب، مضيفاً: و«لكن هذا التيار أقل فعالية من التيار الآخر». وأشار بكور إلى أن التطورات المتلاحقة في إدلب «نتاج تفاهمات أستانة»، مضيفاً: «لا أتوقع حدوث أي صدام بين الهيئة والأتراك في إدلب، لأن الأتراك لا يدخلون إلا بعد اتفاق مع القوى المسيطرة على الأرض»، وفق قوله.}