العدد 1457 /14-4-2021

بقلم: عمر كوش

يشهد الملف اليمني منذ مدّة حراكاً سياسياً دولياً، تكثف، في الآونة الأخيرة، مع مجيء الإدارة الأميركية الجديدة التي أكدت عزمها العمل على إيقاف الحرب في اليمن، ووجد ذلك الحراك صداه في إطلاق السعودية مبادرة لوقف القتال، وقيام المبعوثين الأممي، مارتن غريفيث، والأميركي، تيموثي ليندر كينغ، الخاصّين إلى اليمن، بجولتين في دول المنطقة، فزارا الرياض ومسقط والمنامة، والتقيا مسؤولين من مختلف الأطراف، بغية تقريب وجهات النظر، للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، واستئناف المفاوضات السياسية. وكان لافتاً خروج سلطنة عُمان عن صمتها، في موقف نادر لها، وإعلان أنها "مستمرة في العمل عن كثب مع المملكة العربية السعودية، والمبعوثين الأممي مارتن غريفيث والأميركي تيموثي ليندر كينغ الخاصين باليمن، والأطراف اليمنية المعنية، بهدف التوصل إلى تسوية سياسية شاملة للأزمة القائمة في الجمهورية اليمنية". لكنها لم تكشف عما تمّ التوصل إليه، بل اكتفت بالتعبير عن أملها في أن "تحقق هذه الاتصالات النتيجة المرجوّة في القريب العاجل، وبما يعيد لليمن أمنه واستقراره ويحفظ أمن ومصالح دول المنطقة".

ربما يُفسّر خروج السلطة عن صمتها الذي دأبت عليه بأن تقدماً ما تمّ إحرازه في المشاورات مع أطراف الصراع، بخصوص التوصل إلى وضع آلية لوقف إطلاق النار، والسير في طريق إنهاء الحرب في اليمن، ذلك أن ساسة السلطنة اعتادوا عدم الإفصاح عن سير وساطاتهم أو التعليق عما يجري في عاصمة بلدهم من لقاءات ومشاورات، سواء في ما يتعلق منها بالملف الإيراني أو الوضع اليمني أم غيرهما من الملفات الإقليمية التي يقومون بوساطات بين أطرافها المتصارعة.

وتدعم هذا التفسير تصريحات متفائلة، صدرت من واشنطن ومن بعض دول الخليج، الأمر الذي يطرح السؤال عن إمكانية اقتراب نهاية الصراع في اليمن، ووقف الحرب الدائرة فيه منذ أكثر من ستة أعوام، والتي أودت بحياة عشرات الآلاف وشرّدت الملايين، وأحدثت كارثة إنسانية، بحسب وصف الأمم المتحدة. وعلى الرغم من ذلك، فإن شكوكاً تسود في الأوساط السياسية اليمنية بإمكانية نجاح المساعي الأممية والأميركية لوقف الحرب وإنهاء الصراع، بالنظر إلى إخفاق مفاوضات واتفاقات سابقة، وخصوصا التي وقعت في الرياض وستوكهولم.

وما يدعم إمكانية إنهاء الحرب في اليمن تغير الموقف الأميركي الذي أعلنه الرئيس جو بايدن، والمخالف تماماً موقف إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، حيث أعلن بايدن أن الحرب في اليمن "يجب أن تتوقف"، وبدأ ترجمة هذا الموقف بإنهاء دور الولايات المتحدة في العمليات العسكرية الهجومية في اليمن، إضافة إلى وقف صفقات السلاح المرتبطة بالحرب، وتعيين تيموثي ليندر كينغ مبعوثاً أميركياً خاصاً إلى اليمن.

ولعل مسعى بايدن لوقف الحرب في اليمن اقتضى منه التخلص من تركة ترامب، وقاده إلى إلغاء تصنيف جماعة الحوثيين "منظمةً إرهابية"، بوصفها خطوة ضرورية من أجل رفع الحظر عن إرسال المساعدات الأساسية إلى اليمن، لكنه، في الوقت نفسه، أعلن مواصلة دعم السعودية "في الدفاع عن سيادتها وأمنها ومواطنيها"، بغية تهيئة السعودية للانخراط في مساعيه، والانفتاح على التطورات الجديدة، وبالتالي جاءت المبادرة السعودية متسقة مع الأفكار الأممية والأميركية بشأن وقف إطلاق النار في جميع أرجاء اليمن، واتخاذ تدابير إنسانية واقتصادية، وفي مقدمتها فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة وغيرهما، واستئناف المفاوضات السياسية، لكن جماعة الحوثيين لم تقبل بها، ووصفتها بالمناورة، وراح قادة الجماعة يتحدّثون إنهم لن يقايضوا الملف الإنساني بأي ملف آخر، لكنهم في المقابل لم يغلقوا الباب أمام التعاطي معها بشكل غير مباشر، حيث قبلوا لقاء غريفيث، بعد أشهر عديدة من مقاطعته، والتقوا مع المبعوث الأميركي ليندر كينغ في مسقط.

وعلى الرغم من الحراكين، الأممي والأميركي، إلا أن هوة كبيرة ما تزال قائمة ما بين الحراك السياسي والأعمال العسكرية، الأمر الذي يشي بمدى التعقيدات التي تعصف بالمحادثات بين الأطراف المتصارعة، خصوصا وأن ما يجري على الأرض لا ينذر باقتراب نهاية الحرب الدائرة في اليمن، حيث صعّد الحوثيون هجماتهم على العمق السعودي، واستهدفوا منشآت أرامكو النفطية، وزادت وثيرة هجماتهم في محافظة مأرب. في المقابل، لم تتوقف غارات التحالف السعودي والإماراتي على مناطق في صنعاء ومأرب ومواقع الحوثيين في مناطق أخرى.

قد لا يصمد التفاؤل باقتراب نهاية الحرب أمام زيادة حدّة التصعيد العسكري، خصوصا أن لهذه الحرب امتداداتٌ إلى خارج اليمن، تتعدّى الحكومة الشرعية والحوثيين وكل الأطراف اليمنية، وتطاول المشروع الإيراني في المنطقة والصراع السعودي الإيراني، لذا بات الصراع في اليمن وعليه يأخذ مع طول أمد الحرب امتدادات واتجاهات بعيدة عن المسارات التي بدأ بها، لأنه أُلحق بأجندات القوى الخارجية ومصالحها، وبالتالي من الصعب التكهن بأن نهاية الحرب باتت قريبة.

وفي ظل ربط الوضع اليمني بملفات أخرى، كالملف النووي الإيراني، وانتظار التفاهمات الأميركية الإيرانية بشأنه، وانسداد الطريق أمام التحالف العربي ضد الحوثيين، وفشله في "إعادة الشرعية"، فإن الجهود الدولية والأممية باتت تجنح نحو التركيز على وقف الكارثة الإنسانية أكثر من جنوحها نحو إيجاد حل سياسي شامل ينهي الحرب، وتمثل محاولات للتعامل مع مظاهر الكارثة اليمنية، ولا تطاول جذورها، لأن على أي مسعى سياسي حقيقي أن يأخذ في الحسبان وضع حلول للوضع اليمني برؤية الأطراف اليمنية نفسها، وليس وفق رؤية القوى الإقليمية والدولية. والأهم هو عدم ربط الحرب اليمنية بأي ملفاتٍ وتسوياتٍ إقليمية أو دولية، لأن ذلك يحولها إلى ملف مقايضة في صراعات الآخرين.

ويبقى أن الحرب مهما طال أمدها لن تنتهي بتحقيق أي طرفٍ انتصارا يمكّنه من فرض ما يريد على اليمنيين. ومع ذلك، لن تأخذ الأطراف المتصارعة بما يطالب به الشعب اليمني والتوصل إلى اتفاق يضع حداً للحرب التي سببت له مأساة عميقة، وخلفت أحقاداً ودماراً هائلاً، إلا إذا أُجبرت على ذلك.