العدد 1513 /25-5-2022

بقلم: وليد التليلي

بعثر موقف الاتحاد العام التونسي للشغل، الرافض لحوار الرئيس قيس سعيد بالشروط الحالية، كل أوراق الرئيس التونسي، وفسح المجال أمام إعادة النظر في الوضع السياسي الراهن وطريقة الخروج من الأزمة، والأهم أنه فرمل قطار سعيد السريع الذي لا يلتفت إلى أحد، ويسير بسرعة جنونية في اتجاه فرض أجندته على الجميع.

وكان الاتحاد قد أكد، أمس الإثنين، "رفض أيّ حوار شكلي متأخّر متعجّل تُحدَّد فيه الأدوار من جانب واحد وتُفرض فرضا ويقصي القوى المدنية والسياسية الوطنية، فضلا على أنّه حوار استشاري لا يمكن أن يفضي إلى اتفاقات جدّية، وتراد منه تزكية نتائج معدّة سلفا يتمّ إسقاطها بشكل فردي وفرضها على طريقة المرور بقوّة وفرض الأمر الواقع".

المحلل السياسي قاسم الغربي، يرى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن سعيد يتجه نحو سياسة الهروب للأمام، "لأنه لو كنا نتعامل مع عقل سياسي عادي ما كنا لنصل إلى هذا الوضع أصلا، وللتذكير، فقد كانت البلاد صباح 26 يوليو/ تموز تسير في حوار وطني ربما يتم فيه إقصاء بعض الأطراف، وكان الوضع العام وقتها يساعد على صياغة مسار جديد، ولكن اكتشفنا أن وراء قرارات 25 يوليو مشروعا شخصيا يشتغل عليه الرئيس، وبالتالي حتى الحلفاء الأشد قربا من مشروع 25 يوليو، وليس من سعيد، انسحبوا تقريبا، باستثناء جزء صغير من "الوطد" (حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، يساري)".

ومضى قائلا: "نتعامل مع عقل سياسي خاص، وهذا العقل سيتجه نحو التعنت"، مؤكدا أنه "بطريقة ما دفع سعيد الاتحاد لهذا الموقف، وقد يكون الاتحاد مستهدفا، ولا نستبعد أن يتكرر مع اتحاد الشغل ما وقع لاتحاد الفلاحين (محاولة إقصاء رئيسه عبد المجيد الزار وتعيين داعمين لسعيد)، وربما يفكر الرئيس في العزل الشعبي للاتحاد، ولكن هذا صعب جدا مع الاتحاد، وبالإضافة إلى قواعده سيجد حاضنة شعبية وسياسية من الرافضين لتوجهات سعيد".

وفسر المحلل بأن "الأجسام الوسيطة لا تعني شيئا لسعيد، فأن تكون كلها ضده فهذا يدفعه للتمسك أكثر بمشروعه الشخصي، وكان عندما يكثر الضغط من حوله يستدعي الاتحاد كمتنفس وليس لرغبة حقيقية في تشريكه، والاتحاد منح سعيد فرصتين في موقفه الأخير لإيجاد مخرج، حيث أشار إلى أنه يرفض الحوار بصيغته الحالية وسيعقد غدا مؤتمرا صحافيا، أي بعد يومين من القرار، وهذا يتيح بعض المراجعة إذا كان سعيد يرغب في ذلك فعلا".

ولكن الاتحاد يملك أوراقا كثيرة، من أهمها ورقة الإضراب، وقد لوح بذلك أمس، وهذا لا يحمل فقط رسالة إلى الداخل التونسي، وإنما بالخصوص إلى رئيسة الحكومة الموجودة في دافوس نجلاء بودن وسعيد بأن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي قد سقطت في الماء، لأنه كان يشترط موافقة الاتحاد على مشروع الإصلاحات لمنح القروض التي تعول عليها حكومة سعيد لتتنفس قليلا.

ويؤكد الخبير الاقتصادي آرام بالحاج أن "كل السبل اُغلقت أمام التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي هذه السنة"، معتبرا، في تدوينة على صفحته في "فسيبوك"، أن "السبيل الوحيد المتبقي هو التزام علني من رئيس الجمهورية قيس سعيّد بالمرور بقوة، وتطبيق كل التعهدات الواردة في برنامج إصلاح الحكومة".

ويطرح السؤال في المشهد السياسي التونسي اليوم: "هل أعاد موقف اتحاد الشغل برفض الحوار وبتلك الصيغة القوية إعادة ترتيب الأوراق من جديد؟".

يعتبر عضو الهيئة التنفيذية لـ"مواطنون ضد الانقلاب"، الباحث الجامعي زهير إسماعيل، أن "هذا الموقف كان منتظرا استنادا إلى أداء سعيّد وما أفصح عنه من علاقته بالحوار، فرفض الحوار من قبل سعيّد لا يُعزى إلى تقدير سياسي عنده بقدر ما هو صورة عن مكونات شخصية ونفسية لا يوجد فيها شيء اسمه حوار".

ويؤكد إسماعيل على أنّ "الرافض الحقيقي للحوار هو سعيّد، ولقد حاول الاتحاد قبل الانقلاب وبعده مدّ الجسور مع سعيّد بتبَنِّي 25 يوليو، وتقديم تصور للحوار يخالف في مستويات منه رؤية سعيّد في الانتظام القاعدي، وما يستدعيه من نفي لكل الوسائط من أحزاب ومنظمات وهيئات".

وأشار إسماعيل إلى أن "موقف الاتحاد ظلّ محكوما بالتردّد، فلا هو قبل بعرض قيس سعيّد جملةً، ولا عبّر عن نيته الالتحاق بالموقف الوطني المناهض للانقلاب، بل سارع إلى موقف رافض لجبهة الخلاص الوطني وناقد لرئيسها أحمد نجيب الشابي".

وتابع إسماعيل أنّ "السؤال اليوم في ظل عزلة سعيد ليس من بقي مع قيس سعيّد؟ وإنّما الأدقّ، من بقي مع الديمقراطية؟ ذلك أنّه ليس كلّ من خالف قيس سعيّد هو مع الديمقراطية".

ويشدد الباحث على أنه "لا توجد إعادة ترتيب للأوراق؛ ما يوجد هو تأكّد عزلة قيس سعيّد، وبداية ظهور جبهة موازية لجبهة الخلاص، الوجه السياسي للشارع الديمقراطي. وهي جبهة نواتها الاتحاد، ومن لم يجدوا موقعا عند قيس سعيّد، وسائر الأحزاب الوظيفيّة التي ترى في مناهضة سعيّد خدمة لحركة النهضة، لا دفاعا عن شروط الديمقراطية ومحاولة لاستعادة مسارها".

ويعتبر إسماعيل أنه "في نهاية الأمر يمثّل موقف اتحاد الشغل مؤشرا جديدا يضاف إلى مؤشرات سابقة تسمح بالحديث عن الدخول في مرحلة ما بعد سعيّد".

ويسأل: "لماذا مرحلة ما بعد سعيّد وليس مرحلة ما بعد الانقلاب؟ السبب هو أنّ إزاحة سعيّد لا تعني بالضرورة سقوط الانقلاب".

وفي ما يتعلق بإمكانية افتكاك الاتحاد للمبادرة أو جزء منها، ولعب دور جديد في المأزق السياسي الحالي، يعتبر إسماعيل أن الإجابة عن ذلك "تقتضي العودة إلى طبيعة المنظمة النقابية وتاريخها، وتطور علاقتها بمختلف الأنظمة عموما منذ تأسيسها".

ويعتبر إسماعيل أن "موقف الاتحاد اليوم هو موقف تدرّج حذر وغير حاسم، انتظارا لتوضّح المآلات"، وأضاف "إلى حدّ الآن يمكن التمييز بين موقف الاتحاد من سعيّد وموقفه من الانقلاب. ولنا أن نسأل: كيف سيكون موقف الاتحاد بعد إزاحة سعيّد التي تجتمع دلائل عديدة عليها؟".

ويؤكد إسماعيل أنه "مع اتجاه سعيّد إلى استهداف المنظمات الاجتماعية (اتحاد الفلاحين) بعد استهداف مؤسسات الدولة، لا يرى الاتحاد في نفسه إلا الضحية القادمة لو استقر الأمر لسعيّد ومشروعه الكلّي. فهو منحصر بين تهديد الدكتاتورية واستماتة الشارع الديمقراطي في الدفاع عن الدستور والديمقراطية".

وقال المتحدث ذاته إنّ "كل الدلائل من داخل تركيبة مكتبه التنفيذي تشير إلى أنّه سيسعى إلى أن يبني حوله جبهة سياسية، ولكن (بسقف منخفض) من القوى الوظيفيّة التي تمتد من رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، إلى التيار الديمقراطي، وسيجتهد في أن يفتكّ زمام المبادرة من شارع ديمقراطي متوثّب، لا سبيل إلى تخطّيه إلا باستعادة الصراع وطرفه النهضة لتغيير عنوان المعركة الحالي انقلاب/ديمقراطية".

وشدد إسماعيل على أن "الاتحاد، مثله مثل بقية القوى والأجسام السياسية المختلفة، يعيش لحظة انتقال واستعداد للعبور إلى مرحلة متقدمة. وبلا شك لن يكون هذا غدا، ولكن السياق العام الذي دخلته تونس والبلاد العربية مع الثورة في 2011، رغم قتامة المشهد، هو سياق بناء الديمقراطية، وهذا سياق تاريخي عام تبدو فيه القوى المضادة لبناء الديمقراطية ردة فعل قد تعطّله وقد تؤجله، ولكنها لا يمكن البتة أن تحوّل وجهته".