العدد 1402 / 26-2-2020

يصبح كل أبنائه أبرياء بنظر القانون، لكنهم يظلون مدانين بنظر أبناء ثورة 25 كانون الثاني 2011 التي خلعت مبارك ونظامه من حكم مصر.

أنصار مبارك رحبوا بالبراءة، معتبرين أنها متوقعة وأن القضية كانت محاولة من المجلس العسكري -الذي تولى الحكم بتفويض من مبارك عقب ثورة يناير/كانون الثاني 2011- لنيل رضا ثوار يناير في قضية زائفة.

في حين اعتبر مناصرو الثورة أن المجلس العسكري الحاكم وقتها تعمّد تقزيم جرائم مبارك وعناصر نظامه في قضايا صغيرة، حيث "أفسد النظام الأسبق وطنا لكنه لم يحاكم إلا على فساد في فيلا وشركة وبنك".

وبدا علاء مبارك في تغريداته على تويتر قبل ليلة من النطق بالحكم مستيقنا من البراءة، كاشفا في سلسلة من التدوينات المتتابعة عن "تزوير في أوراق القضية، ودس أوراق عليها بغرض الإيقاع به وبشقيقه".

وطالب علاء مبارك -عقب انتهاء قضية البورصة- بأن يجري التحقيق لكشف "التزوير غير المسبوق الذى تم في هذه القضية، والتحقيق الجاد مع كل من لفق وزور وعبث بأوراق الدعوى لدفن الحقيقة حتى لا تتكرر هذه المأساة مع آخرين في المستقبل".

مصلحة سياسية

وقال فريد الديب محامي عائلة مبارك إن قضية التلاعب بالبورصة المتهم فيها علاء وجمال مبارك كانت بتاريخ 30 أيار 2011، قبل موعد جلسة النطق في المحاكمة الأولى لقضية محاكمة مبارك ورموز نظامه المعروفة بقضية القرن بأربعة أيام.

وأوضح أن المستهدف الأول من القضية جمال وعلاء فقط، مشيرا إلى بدء التحقيق فيها يوم 12 شباط 2011، وهو اليوم التالي لتخلي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عن منصبه.

وأشار إلى أن القضية قُدم فيها تسعة متهمين، ولم يتم حبس سوى جمال وعلاء مبارك، حيث حبسا احتياطيا على ذمة القضية لمدة عامين ونصف العام حتى تتضح الأمور.

وأضاف في اتصال هاتفي لإحدى الفضائيات مساء السبت أن هناك من كانت له مصلحة بأن يطول أمد القضية حتى يُقال إن هناك قضية.

وتابع "بدأت التحقيقات أوائل 2011 في القضية بطريقة كوميدية كمسرحية عادل إمام شاهد مشافش حاجة، وتم حبس علاء وجمال مبارك وحدهما دون المتهمين التسعة الآخرين".

وجرت إعادة حبس جمال وعلاء مبارك في أيلول 2018 على ذمة هذه القضية عقب ظهورهما المكثف في مناسبات عامة وخاصة، وتحلق الجماهير حولهما لالتقاط الصور معهما، مما دفع مراقبين للربط بين الحدثين باعتبار الحبس عقوبة لهما على التجرؤ على محاولة الظهور كبديل لنظام الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.

مهرجان البراءة للجميع

ومن قبل حصل والدهما حسني مبارك على البراءة في جميع القضايا التي جرت محاكمته عليها، وفي مقدمتها قتل المتظاهرين في ثورة يناير، بل إنه تحوّل إلى شاهد في عدد من القضايا التي يحاكم فيها عدد من رموز الثورة.

وكان من بين البلاغات التي لم يجر التحقيق فيها، بلاغ السفير إبراهيم يسري متهما مبارك بتحقيق ثروات هائلة من عمولات صفقات شراء السلاح، إذ خاطب النائب العام عبد المجيد محمود مدير المخابرات الحربية وقتها اللواء عبد الفتاح السيسي -الرئيس لاحقا- لاستيضاح الأمر، فأبلغه الأخير أنه ليس ثمة مخالفات في هذه المسألة، وذلك بحسب تصريحات لفريد الديب محامي مبارك.

وحصل على البراءة أحمد نظيف رئيس وزراء نظام مبارك في قضية اتهامه باستغلال النفوذ ومنصبه السابق وارتكاب جرائم الكسب غير المشروع، وقررت المحكمة انقضاء الدعوى الجنائية تجاهه وعدم جواز نظرها مرة أخرى، رغم الحكم عليه نهاية 2012 بسجنه ثلاث سنوات وتغريمه نحو أربعة 4.5 ملايين جنيه (الدولار يساوي نحو 16 جنيها) وألزمته برد مثل هذا المبلغ.

وقضت محكمة جنايات الجيزة ببراءة حبيب العادلي وزير الداخلية الأخير في نظام مبارك و8 آخرين من القيادات المحاسبية بوزارة الداخلية، وغرامة 500 جنيه (30 دولارا) لكل متهم، في اتهامهم بالاستيلاء على المال العام بالوزارة والإضرار العمدي به بأكثر من ملياري جنيه خلال الفترة من عام 2000 حتى 2011.

وبرأ القضاء رئيس مجلس الشعب الأسبق فتحي سرور ورئيس مجلس الشورى الأسبق صفوت الشريف، بالإضافة إلى وزير القوى العاملة عائشة عبد الهادي، والمحامي مرتضى منصور، ورجل الأعمال محمد أبو العينين نائب رئيس حزب مستقبل وطن حاليا، ونحو 20 متهما آخر بقتل المتظاهرين في قضية "موقعة الجمل" بعد أن اتهمتهم النيابة العامة بالتعدي على المتظاهرين السلميين بميدان التحرير إبان ثورة يناير.

مسار متوقع

ورأى السياسي البارز أيمن نور أن براءة جمال وعلاء ليست أمرا صادما في ظل "مهرجان البراءة للجميع" الذي أصاب مسار المحاسبة بعد ثورة يناير وأدى إلى "إحباطات كبيرة"، حيث تحول مسار مكتسبات ثورة يناير إلى مسار "هزلي" ينتهي في النهاية بتكريم الذين قدموا للمحاسبة.

وتابع في حديثه للجزيرة نت أن "هذه البراءة تتفق مع براءات كثيرة سابقة لأفراد النظام، جاءت نتاج تقديم قضايا في غير موعدها أو قرارات اتهام تصدر دون التوثيق والدراسة الكافيتين وتقديم أدلة قاطعة"، معتبرا أن مثل هذه القضايا التي كان يحاسب عليها جمال وعلاء هي من أقل الجرائم التي ينبغي المحاسبة عليها.

وأكد نور -وهو أيضاً صحفي ومحام- أنه حتى في هذا الإطار كانت الأدلة المقدمة والمعاجلة القانونية في "غاية الضعف"، وكانت هنالك رغبة واضحة في "التدخل" في مسار بعض القضايا من بينها هذه القضية التي صدرت "تسريبات مخصوصة" في مرحلة سابقة بأصوات مسؤولين في المجلس العسكري، كان واضحا منها أن هنالك "تعاطفا وتواطؤا" مع المتهمين لدرجة أن أحد المتهمين سمح له بالدخول لمصر والخروج منها دون القبض عليه.

من جانبه، اعتبر الكاتب الصحفي سليم عزوز أن البراءة هي "تحصيل حاصل"، وهي في الحقيقة براءة "متأخرة"، حيث بدأ موسم البراءات لأفراد النظام مبكرا لأن القضايا التي رفعت في الأساس لم تقم على "أساس قانوني".

وأشار عزوز في حديثه للجزيرة نت إلى أن من تقدم بمعظم هذه القضايا "لم يكن مخلصا للثورة" ولم يكن من أبنائها، بل هو أقرب إلى مبارك ونظامه وأجهزته.

ومن التعسف اتهام القضاء بالتواطؤ، برأي سليم عزوز، "فالقضاء نفسه الذي ينظر هذه القضايا ليس منحازا للثورة ولا مؤيدا لفكرة محاكمة النظام البائد ورموزه، ولهذا كانت البراءات حتى على من ثبتت في حقهم الجرائم مثل الوزير حبيب العادلي".

وعن موقف النظام الحالي من هذه المحاكمات، يؤكد عزوز أن هدفه هو وقف النمو السياسي فقط لعناصر النظام الأسبق، وهذا هو ما يريده النظام الحالي لكنه لم يرد أن يوصم العهد بالفساد كما ابتغت الثورة، لأن قائد الانقلاب العسكري -الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي- ليس أيضا منحازا للثورة التي قدمت النظام السابق للمحاكمة، وليس من مصلحته وصمه بالفساد.

ولفت إلى أنه لم يحدث في تاريخ مصر منذ الانقلاب العسكري الأول عام 1952 أن أدين نظام بالفساد المالي، فالسادات أغلق ملف فساد عبد الناصر وغل يد المدعي العام الاشتراكي من التحقيق فيه على النحو الذي أورده جلال الحمامصي في كتابيه "حوار خلف الأسوار" و"أسوار حول الحوار".