​جيفري د. ساكس

«أصدقائي لا لهذه الأصوات!»؛ هكذا صاح قائد الأوركسترا وهو يؤدي سيمفونية بيتهوفن التاسعة أمام قادة مجموعة العشرين في هامبورغ مساء الجمعة (7 تموز).
كانت هذه العبارة المثيرة الخطَّ الافتتاحي لـ«نشيد الفرح» الذي يحث فيه بيتهوفن على الأخوّة بين الناس، وهي رسالة مثالية لقادة العالم وهم جالسون على شرفات قاعة الحفلات الموسيقية يستمعون للسمفونية. لقد أفلحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في إرسال رسالة بيتهوفن إلى المجموعة.
تعتبر قمة مجموعة العشرين هذه الأولى التي يحضرها دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة؛ فكانت النغمات المتناقضة -في الأجزاء العاصفة من سيمفونية بيتهوفن- آتية بحق من الولايات المتحدة.
فترامب لا يؤمن بنداءات الحب الأخوي، حيث يتاجر بالانقسام العرقي والديني وعداء الجيران (أصر مرة أخرى في القمة على أن الولايات المتحدة ستبني جداراً على الحدود المكسيكية وأن المكسيك ستدفع ثمنه)، ويعطي أيضاً صوراً مانوية لحضارة غربية معرضة للانهيار على يدي الإسلام المتطرف، وليس بسبب ذروة الثروة المذهلة والإفراط التكنولوجي.
 ورغم أن أداء قائد الأوركسترا كان رائعاً، فإن المايسترو الحقيقي ذلك المساء كان ميركل. إنها حقاً فكرة عبقرية أن تجلب قادة مجموعة العشرين إلى قاعة حفل هامبورغ الجديدة -الواقعة في بهو «إلبفيلهارموني» الذي يعد تحفة معمارية مدهشة- ليستمعوا لأنغام مستوحاة ربما من أعظم عمل موسيقي للثقافة العالمية، وهي ترسل نداء للوئام العالمي.
إن الحفل نفسه عرض طبقات مختلفة من المعاني؛ فألمانيا بيتهوفن وُلدت من جديد على أنقاض ألمانيا هتلر. وألمانيا اليوم بلد محترم عالمياً، محب للسلام، معادٍ للحرب، وديمقراطي، ومزدهر، ومبتكر، وتعاوني.
وفي نفس الوقت، فإن عبقرية بيتهوفن لا تنتمي فقط إلى موطنه ألمانيا، أو حتى إلى الغرب، بل إلى البشرية جمعاء. ويعكس تسجيله «قصيدة شيلر» الطموحات العالمية الحقيقية لعصر الأنوار. صحيح أن عصر الأنوار ظاهرة أوروبية؛ لكن الفكرة تعبّر عن إدراك تام لأخطار التفرد والشوفينية في جميع أنحاء العالم.
إن فكرة ترامب «أميركا أولاً» تعد إهانة قاسية لأخلاقيات كانتْ وتهديداً للسلام. فابتعاده عن بقية العالم في اتفاق باريس للمناخ هو أكثر أعماله المشخصة للأنانية والتي تنم عن حب الذات.
ويكمن أصلها في أهداف عدد قليل من الشركات الأميركية (بقيادة كوش إندستريز، وكونتيننتال ريسورسز، وبيبودي إنيرجي، وإكسون موبيل، وشيفرون، وشركات أخرى) لتحقيق أقصى قدر من الأرباح من عمليات استخلاص الغاز والنفط، وحفر أعماق البحار واستمرار استخراج واستخدام الفحم، وزيادة عواقب المناخ الضارة.
قامت شركات الوقود الأحفوري بتمويل حملات ممثلي الجمهوريين وأعضاء مجلس الشيوخ الذين دعوا ترمب للانسحاب من اتفاق باريس. إنهم -مع السياسيين الجمهوريين الذين يستفيدون منهم- مستعدون للتضحية بمصلحة الأميركيين الآخرين وحتى أسرهم، فضلاً عن بقية العالم والأجيال المقبلة.
لقد كان السؤال في قمة مجموعة العشرين واضحاً: هل ستتبع بلدان أخرى الولايات المتحدة في وضع مصالحها الذاتية وعلى نحو متهور فوق الصالح العام؟ كانت الشائعات كثيرة للغاية؛ فصحيفة «نيويورك تايمز» نشرت مقالاً يشير إلى أن ترمب قد ينجح في سحب روسيا والسعودية وتركيا وحتى إندونيسيا إلى تحالف بترولي لإضعاف أو إلغاء اتفاق باريس.
فمستقبل التعاون العالمي إذن معرض للخطر في هامبورغ. لقد استغرق التوصل إلى اتفاق باريس بشأن المناخ سنوات عديدة، ولا سيما منذ قمة الأرض في ريو دي جنيرو عام 1992، واعتمدته جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدةالبالغ عددها 193 دولة في كانون الأول 2015، والسؤال اليوم هو: هل سيعود بنا ضغط النفط الأميركي إلى المربع الأول مرة أخرى؟
وفي هذه القمة وخلف الكواليس، عملت ميركل والسلك الدبلوماسي الألماني المحترف على تأمين التوافق في الآراء -دون أميركا- في مجموعة العشرين. وبعد توجه قادة مجموعة العشرين إلى حفل يوم الجمعة، بقي مساعدوهم خلفهم لمناقشة النص النهائي. هل تلعب روسيا والسعودية وغيرهما لعبة ترامب؟ عندما ظهر البيان، شعر الدبلوماسيون والناشطون المناخيون في جميع أنحاء العالم بالارتياح.
وقد قاومت جميع بلدان مجموعة العشرين الأخرى حيلة الولايات المتحدة. وكان البيان بسيطاً ودقيقاً ومطمئناً بشأن تغير المناخ. وجاء فيه: يؤكد «زعماء الدول الأعضاء في مجموعة العشرين الأخرى أن اتفاق باريس لا رجعة فيه...، ونؤكد مجدداً التزامنا القوي باتفاق باريس، والتحرك بسرعة نحو تنفيذه كاملاً...».
ويتضمن البلاغ فقرة ترامب الخادعة. إذ أكدت الولايات المتحدة «التزامها القوي بنهج تخفيض الانبعاثات مع دعم النمو الاقتصادي وتحسين احتياجات أمن الطاقة»، وأنها ستعمل «عن كثب مع البلدان الأخرى لمساعدتها في الحصول على الوقود الأحفوري واستخدامه بشكل أكثر نظافة وكفاءة، ومساعدة نشر مصادر الطاقة المتجددة وغيرها من مصادر الطاقة النظيفة»؛ وكما يقول المراهق: «أي شيء».
في العديد من القضايا العالمية الأخرى، تم التوصل إلى توافق كامل في الآراء، وأكدت مجموعة العشرين أن «التجارة والاستثمار الدوليين هما محركان مهمان لإنتاجية النمو والابتكار وخلق فرص العمل والتنمية».}