العدد 1354 / 20-3-2019

بقلم : خليل العناني

تمثل التعديلات الدستورية التي يناقشها حالياً البرلمان المصري خطوةً كبيرة نحو ترسيخ السلطوية في مصر، إذ إنها سوف تمهد الطريق نحو بقاء شخصٍ واحدٍ في السلطة عشرين عاماً (2014 - 2034)، هو الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي. كما أنها تمثل تراجعاً عن أحد الإنجازات القليلة لثورة 25 يناير في 2011، التي وضعت حداً لمدد الرئاسة، هو فترتان بحدّ أقصى كل منها أربع سنوات. التعديلات التي اقترحها أعضاء في البرلمان موالون للسيسي ومتحالفون معه، تعتبر أحدث الخطوات التي سوف تسمح للسيسي بترسيخ حكمه السلطوي والهيمنة على جميع السلطات. بل الأكثر من ذلك أن هذه التعديلات سوف تجعل من الجيش وصياً على الدولة، إذ تنص التعديلات المقترحة على إعادة صياغة نصّ المادة 200 من الدستور الحالي الذي تم إقراره عام 2014، بحيث يكون هناك دور للقوات المسلحة في "حماية وصيانة الدستور ومبادئ الديمقراطية والحفاظ على مدنية الدولة".

وإذا تم تمرير هذه التعديلات كما هو متوقع، فسوف تتحوّل مصر إلى وضعٍ مشابه لما كانت عليه الحال في تركيا طوال القرن العشرين، وفي دول أميركا اللاتينية، مثل البرازيل والأرجنتين وتشيلي طوال السبعينيات، وفي تايلاند أوائل التسعينيات، وهو ما عطّل عملية الانتقال الديمقراطي في هذه البلدان عقوداً. بالإضافة إلى ذلك، سوف تمنح التعديلات المقترحة رئيس الدولة، باعتباره رئيس

السلطة التنفيذية، صلاحياتٍ واسعة على حساب السلطة القضائية، إذ تشير التعديلات المقترحة إلى تعديل المادّة 185 من الدستور الحالي، من أجل إنشاء مجلسٍ أعلى للهيئات القضائية، يرأسه رئيس الجمهورية الذي سيكون له الحرية في اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية، وذلك بغض النظر عن اختيار هذه الهيئات، وهو ما يؤكد ولاء من يتم تعيينهم للرئيس، ما قد يؤثّر على نزاهة السلطة القضائية.

لذلك، السؤال المهم الآن: هل يمكن وقف هذه التعديلات الدستورية وكيف؟ الإجابة البسيطة: لا. إذ يتحكّم السيسي في معظم أجهزة الدولة ومؤسساتها، سواء البرلمان أو الإعلام والقضاء والأمن بشكل كبير. وفي وقتٍ أبدى فيه بعض القضاة امتعاضهم من التعديلات المقترحة بصوت خافت، إلا أن المؤسسات القضائية، مثل مجلس الدولة ونادي القضاة، لم تتخذ موقفاً معلناً من هذه التعديلات حتى الآن. كما تعاني المعارضة المصرية من القمع والإقصاء والانشقاقات، وهو ما يضعف قدرتها على وقف التعديلات. وقد بدأ النظام حملة قمع وترويع لكل من يتجرأ على رفض التعديلات. فعلى سبيل المثال، اعتقلت قوات الأمن، خلال الأسابيع الماضية، أعضاء من حزب الدستور الذي أسسه الدكتور محمد البرادعي، بسبب رفضهم التعديلات الدستورية المقترحة. ويقوم النظام بحملة دعائية من أجل إقناع الشعب بالتصويت بنعم على التعديلات، بحجة حماية الدولة وضمان الاستقرار.

ولكن على الرغم من هذه الصعوبات، ثمّة أمل في إمكانية وقف هذه التعديلات الدستورية،

وذلك من خلال عدة خيارات. أولها إطلاق حملة شعبية واسعة للضغط على البرلمان، من أجل رفض هذه التعديلات، قبل أن يتم طرحها للاستفتاء العام في أيار المقبل. وقد بدأت بالفعل بعض المجموعات السياسية في القيام بهذا، مثلما تفعل "الحركة المدنية الديمقراطية" التي تتألف من أحزاب ليبرالية ويسارية علمانية وشخصيات عامة، تقود حملة للتوقيع على مذكرةٍ لرفض هذه التعديلات، ووقف العبث بالدستور. وقد وصل عدد الموقعين إلى نحو 29 ألف شخص في أقل من أسبوعين من إطلاق الحملة. في الوقت نفسه، بدأت بعض صفحات التواصل الاجتماعي المؤثّرة، حملة لنشر فيديوهات المواطنين الرافضين إجراء التعديلات، وهو ما يُحدِث حالة من الزخم الذي غاب عن مصر طوال السنوات الست الماضية. ثانيها، أن تستغل قوى المعارضة المصرية هذا الزخم، من أجل وضع برنامج سياسي موحد لوقف هذه الكارثة السياسية.

ثالثها، إذا تم تمرير التعديلات في البرلمان أوائل نيسان المقبل، كما هو متوقع، يمكن أن تنتقل قوى المعارضة إلى الخطة البديلة، وهي تعبئة الشارع للتصويت بلا على التعديلات المطروحة للاستفتاء. صحيحٌ أن هناك احتمالات كبيرة لتمرير الموافقة على التعديلات الدستورية، سواء من خلال عملية التعبئة الإعلامية، والشحن الدعائي للنظام، أو من خلال تزوير نتائج الاستفتاء، إلا أن هذه التعديلات قد تمثل بدايةً مهمةً لتنظيم صفوف المعارضة، يمكن البناء عليها لاحقاً، وذلك بدلاً من عملية التثبيط والتخوين والشقاق التي تهيمن على خطاب وسلوك رموزها وقياداتها.