ياسين أقطاي

يساري تركي، يصف صمود الشعب التركي ليلة الخامس عشر من تموز بالملحمة التاريخية ويقول:
«أنا رجل أبلغ من العمر 64 عاماً، مؤيد لحزب الشعب الجمهوري اليساري.. حتى ذلك اليوم لم يكن في قلبي تجاه الرئيس رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية شيء سوى الكراهية.. أردت ان يرحل أردوغان وخاصة بعد حظر شرب الخمر في الأماكن العامة بعد الساعة العاشرة مساء.. أردت دائماً أن يرحل، وإذا لم يكن ذلك ممكناً بالانتخابات فليكن حتى بانقلاب..!!
لكن في تلك الليلة، عندما قالت مذيعة محطة TRT إن الجيش أطاح الحكومة، شعرت بألم خفقان القلب.. لقد حدث الشيء الذي كنت أنتظره لسنوات، لكن ما شعرت به كان القلق، والقلق وحده..
عندما سمعت الناس في الشوارع، انطلقتُ خارج البيت.. رأيت الناس يطلقون ابواق سياراتهم ويقولون «الله أكبر».. رأيت الغضب في عيونهم.. كنت خائفاً.. ركضت إلى المنزل، وبدأت بمشاهدة التلفاز..
كان أردوغان يدعو الناس للخروج إلى الشوارع، لكن الناس كانوا قد ملأوا الشوارع حتى قبل أن أسمعه.. وفجأة رأيت أن قناة TRT تتعرض لهجوم.. كان الجنود الانقلابيون يطلقون النار على الناس.. كانت المطارات والجسور تعج بالناس.. رأيت أناساً يتحدّون الدبابات ويلقون بأجسادهم أمامها.. رأيت رجلاً يخبط رأسه بالباب الزجاجي في المطار بكاء على رئيسه.. رأيت الناس وهم يوقفون الدبابات ويقفزون عليها ويعيدونها الى قواعدها العسكرية.. رأيت النساء وهنّ يواجهن الانقلابيين، والناس يصرخون ويهتفون، وأناساً يواجهون الطائرات المقاتلة بأجسادهم.. كان هناك الآلاف في الشوارع..
في تلك اللحظة بالذات تغير شيء ما في داخلي.. أدركت أن هذا نضال من أجل بلدنا، وأن هؤلاء الناس يقفون من أجل إرادة وطنهم ومن أجل الديمقراطية.. أدركت شيئاً آخر في تلك الليلة، وهو أنه إذا أطيح بطيب أردوغان فسوف تسقط بلدنا وأمتنا أيضاً..
خلال أحداث «غيزي بارك» قبل فترة، كان أردوغان قد دعا أنصاره إلى البقاء في منازلهم وعدم الخروج.. اعتقدت في ذلك الوقت أنه كان يحاول تهديدنا بطريقة ما، واعتقدت أن أنصاره إما كسالى أو لم تكن لديهم الشجاعة لمواجهتنا حينها في الشارع، لكنني اليوم فهمت أن هؤلاء الناس خاطروا بحياتهم ولا يزالون يملأون الشوارع.. هؤلاء الناس فقدوا 250 من أصدقائهم، ولم يشتكوا بعد أو ينطقوا بكلمة سيئة..
أما نحن العلمانيين واليساريين حينها، فقد خرّبنا الشوارع من أجل الطفل «بركين إيلفان» الذي قتل خلال احتجاجات ميدان تقسيم، وأنا أفتخر بأن أطفالنا هم الأبطال..
أقسم إنني الآن على استعداد لتقبيل أقدام هؤلاء الناس الذين خاطروا بحياتهم وقاتلوا من أجل حريتنا..
كان هؤلاء الناس جادّين حين قالوا: «التزمنا الهدوء عندما عزلتم السلطان عبد الحميد الثاني.. لم نكن هناك عندما أعدمتم عدنان مندريس.. ولم نكن حاضرين عندما وضعتم السم لتورغوت أوزال.. لكننا لن نسمح لكم بأن تمسوا أردوغان».. كنت أعتقد أن ذلك مجرد خدعة..
لكن.. في تلك الليلة أدركت أن هؤلاء القوم كانوا أقوياء وحازمين بما يكفي لإحراق العالم.. في ذلك اليوم صنع هؤلاء الناس التاريخ..
كان وراء رجب أردوغان حشد يدعمه، وكان هناك أيضاً شيء آخر حماه.. كان أروع شيء أن الجميع جاؤوا معاً ونحوا خلافاتهم السياسية جانبا.. تواجدت أيضاً الأحزاب اليمينية.. عندما شاهدت الشعب البطل الشجاع بكيت وتنهدت..
في تلك الليلة قلت إما أن أذهب إلى جانب جماعة فتح الله غولن والإرهابيين وأشاهد تقسيم بلدي، أو أن أقف مع أردوغان والشعب والعيش بحرية وكرامة في بلدي..
وبفضل الشعب التركي فأنا الآن معجب برجل كنت أكرهه مثل الجحيم.. لكن من الآن فصاعداً، وإن كنت لا أنتمي لأي حزب سياسي، لكني سأقف دائماً إلى جوارك يا أردوغان»..