العدد 1363 / 22-5-2019

بقلم : أسامة أبو ارشيد

تبدو أجواء الشرق الأوسط، وتحديدا منطقة الخليج العربي، مُلَبَّدَةً بنذر تصعيد عسكري جديد، لن يكون العرب في منأى عن نيرانه. طرفا الصراع، هذه المرة، الولايات المتحدة ومن يدور في فلكها من بعض الدول الخليجية، وتحديدا السعودية والإمارات والبحرين، فضلا عن إسرائيل. وعلى الضفة الأخرى، هناك إيران والمليشيات التابعة لها في العراق واليمن وسورية ولبنان. وفي حين تقول واشنطن وطهران إنهما لا تريدان حربا، إلا أن عناصر إطلاق شرارة صدام عسكري محدود أو مفتوح قائمة، وهي لا تحتاج إلا عود ثقاب، وهذه العيدان متوفرة بكثرة. ما يضاعف من مخاطر وقوع صدام عسكري أن ثمّة من يستدعيه عمّدا في الولايات المتحدة ويدفع باتجاهه، مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، والذي هدّد إيران "بقوة لا هوادة فيها". في المقابل، لا يتردّد عسكريون إيرانيون في التهديد بـ"مواجهة شاملة مع العدو"، كما فعل الجنرال حسين سلامي، قائد الحرس الثوري. أما بعض العرب، فهم ينفخون على ألسنة اللهب دون مبالاة بلسعاتها، والتي بدأت فعلا.

مبدئياً، الولايات المتحدة هي من بدأت التصعيد بتواطؤ واضح مع الدول الخليجية الثلاث، سالفة الذكر، بالإضافة طبعا إلى إسرائيل، المحرّض الأكبر على إيران. في العام الماضي، انسحبت إدارة الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي الذي وقّعته الدول الكبرى مع إيران عام 2015، بقيادة إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما. ثمَّ أتبعت ذلك بفرض عقوبات اقتصادية قاسية على طهران. وفي الثاني من شهر أيار الجاري، ألغت واشنطن الإعفاءات التي كانت منحتها لدول ما زالت تستورد النفط الإيراني، مهدّدة بفرض عقوبات اقتصادية عليها. ويعد النفط أساس الاقتصاد الإيراني، وتصفير تصديره يعني كارثة محققة على إيران. وفي الثامن من أيار الجاري، فرضت الإدارة الأميركية عقوباتٍ إضافيةً على قطاع التعدين الإيراني، والذي يمثل 10% من صادراتها. بمعنى أن واشنطن تحاول خنق طهران اقتصاديا.

سياسات إيرانية مربكة، وتزعزع استقرار المنطقة، وذلك كما في العراق وسورية واليمن، ولا جدال في أنه ينبغي التصدي لها. المشكلة أن إدارة ترامب، والتي وظفت السلوك الإيراني في المنطقة إحدى الذرائع للانسحاب من الاتفاق النووي، ترى القذى في عين غيرها، ولا ترى الجذع في عينها. الولايات المتحدة أكبر مهدد للاستقرار والسلم في المنطقة، منذ غزت أميركا العراق، عام 2003، ضاربةً بالقرارات الأممية عرض الحائط، والمنطقة لم تتعاف. دع عنك دعم واشنطن إسرائيل وسياساتها المدمرة، فضلا عن دعمها الأنظمة الدكتاتورية العربية. الأدهى أن الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب تتحدث عن أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، ولكنها تغفل جرائم حلفائها من العرب، والتي لا تقل خطورةً عن جرائم إيران. السياسات السعودية - الإماراتية، تحديدا، بغطاء أميركي، في اليمن وليبيا والسودان، ومجمل المنطقة، تضعها على فوهة بركان.

تقول إدارة ترامب إن سياستها لفرض "أقصى درجة من الضغط" على إيران ترمي إلى إرغام نظامها على إعادة التفاوض على الاتفاق النووي لعام 2015، والذي يجادل ترامب أنه اتفاق سيئ، كما أنه يريد منها تجميد تطوير برنامجها للصواريخ الباليستية، ووقف أنشطتها "الخبيثة" في المنطقة. المشكلة أن هذه السياسة لا تعمل، بل على العكس، فإنها تزيد عناد إيران، وتعضد قناعة بعض التيارات فيها أن قنبلةً نوويةً ستوفر لها سلاح ردع، أكثر من أنه سيكون عبئا عليها. أما الحديث عن تجميد تطوير برنامج صواريخها الباليستية، فلا يبدو منطقيا أبدا، خصوصا أن إسرائيل تملك ترسانة عسكرية ونووية هائلة، وهي لا تكفّ عن تهديد إيران بها. يبقى الأمر المتعلق بـ"الأنشطة الخبيثة" لإيران في المنطقة، كما تصفها إدارة ترامب، وهذه تهمةٌ صحيحة، ولكنه سيكون من الحماقة أن نفترض أن الولايات المتحدة ستخوض حربا مع إيران من أجل عيون العرب. لقد عملت الولايات المتحدة كثيرا، تحت إدارات ثلاث، بدءا من جورج بوش الابن، مرورا بأوباما، وصولا إلى ترامب، مع إيران، عندما التقت مصالحهما في أفغانستان والعراق وسورية. ثمّ إن سياسات السعودية والإمارات، ومعهما مصر، لا تقل "خبثا" عن الأنشطة الإيرانية في المنطقة، وينطبق الأمر نفسه على أميركا وإسرائيل.

ما يضاعف من خطورة الموقف علينا، نحن العرب، أن هدف ترامب الحقيقي من التصعيد مع إيران يبدو شخصيا مرتبطاً بكبريائه، أكثر منه تصوّر سياسي شامل. لقد أخرج ترامب الولايات المتحدة من اتفاق نووي، يقول الحلفاء الأوروبيون والوكالة الدولية للطاقة الذرية، بل وحتى المسؤولون الأميركيون من المهنيين، إنه يعمل، وإن إيران ملتزمة بتعهداتها فيه. اليوم، تهدّد إيران بالخروج كلية من الاتفاق، ما لم يلتزم الأوروبيون بإيجاد آليةٍ تحمي القطاعين النفطي والمصرفي الإيرانيين من العقوبات الأميركية. وأمام التحدّي الإيراني، على الأقل حتى الآن، للعقوبات الأميركية، يجد ترامب نفسه أمام معادلةٍ صعبة، فإما أن يرضخ أمامه، وهو أمر مستبعد، أو أن يلجأ إلى خيار عسكري لا يريده، ولكن بعض من حوله، وتحديدا بولتون وإسرائيل والسعودية والإمارات، يطلبونه حثيثا.

في المحصلة، استمرار الولايات المتحدة في بناء قوتها العسكرية في المنطقة، واستمرار التحدي الإيراني، قد يضعنا، نحن العرب، أمام خيارين أحلاهما مرُّ. الأول، مواجهة عسكرية شاملة أو محدودة، وقطعا ستكون ساحتنا ملعبها، كما ستكون إيران وإسرائيل كذلك. والثاني، أن ينزل الطرفان عن الشجرة، ويتوصلا إلى صفقة، لا يخفي ترامب أنه يطلبها، والدليل حديثه المتكرّر عن رغبته في أن يتصل به القادة الإيرانيون للتفاوض. وفي حال ما كانت هناك صفقة أميركية - إيرانية، فإنها من دون شك لن تأخذ مصالح محور التأزيم العربي في الاعتبار، في حين أن إسرائيل محمية دوما أميركيا، وهي تملك القدرة على حماية نفسها ذاتيا. وحتى انبعاث الدخان الأبيض في المنطقة، سيبقى العرب مفعولا بهم لا فاعلا. ولعل في رسالتي تخريب الناقلات النفطية مقابل ميناء الفجيرة الإماراتي، والهجوم الحوثي على أنابيب النفط في المنطقة الشرقية في السعودية، ما يؤكد أن من يحرّض على التصعيد بين العرب، دون امتلاكهم رؤية شاملة وموازية لنهضة عربية ذاتية، سينتهي بهم الحال وقودا لنيرانٍ ساهموا في إشعالها.