راميش ثاكور

إنها للحظة حاسمة للنظام النووي العالمي؛ فبعد تقرير الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران، يُنتظر -خلال أسابيع معدودة- أن يلتقي ترامب زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، في قمة ستكون لها تداعيات على البرنامج النووي لكوريا الشمالية.
ومن المرجح أن تعاني الجهود الرامية لنزع السلاح النووي نكسات قبل انقضاء شهر أيار الجاري، نظراً لمجموعة المستشارين الصقور التي تحيط بترامب، أمثال وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون.
ولهذا السبب؛ بات مهماً -أكثر من ذي قبل- أن يدعم المجتمع الدولي التزامات المعاهدات القائمة، بدءاً من معاهدة منع الانتشار النووي المبرمة عام 1968، لكن تحقيق ذلك يستلزم خوض محادثات صعبة.
غالباً ما تكون الاتفاقيات المتعددة الأطراف عرضة لثغرات في التطبيق، وهو ما ينطبق على النظام الدولي لمنع الانتشار النووي؛ فمثلاً نجد أنه رغم عدم توقيع إسرائيل والهند على معاهدة منع الانتشار، فإنهما عضوتان مسؤولتان في النادي النووي.
ولم تعاقَب إسرائيل قط على قنبلتها، كما تحظى الهند بإعفاء من مجموعة المورّدين النوويين، فضلاً عن توقيعها العديد من الاتفاقيات النووية المدنية مع الولايات المتحدة وأستراليا وكندا واليابان. فيما يُنظر إلى التسلح النووي -الذي تنفذه كوريا الشمالية- على أنه أمر لا يمكن التسامح معه، أما برنامج إيران النووي فقد تم تقييده قبل نجاحه في تطوير أي سلاح.
وفي ظل هذا الإطار المعيب؛ أصيبت دول كثيرة بالإحباط بسبب رفض المُوقعين على معاهدة منع الانتشار النووي مناقشةَ مسألة نزع سلاحهم النووي.
ورغم إلزام المادة السادسة من معاهدة منع الانتشار النووي أطرافَها بمواصلة المفاوضات «بنيّة حسنة» لتحقيق منع الانتشار؛ فإن الدول النووية المصدقة على المعاهدة لا تفسر هذا بأنه حظر يمنعها من امتلاك ترسانة نووية.
بل إنها تحتج بأن خفض الأسلحة النووية من شأنه أن يُضعف الأمن العالمي، معتمدين في ذلك على عقيدة الردع، وربما لم يكن مفاجئاً أن ترى الدول غير النووية الأشياء من منظور مختلف.
وفي العام الماضي؛ وضعت هذه الدول رؤاها في معاهدة تكميلية تبنتها الأمم المتحدة. فقد أصبح عدد الدول الموقعة على معاهدة حظر الأسلحة النووية اليوم 58 دولة، كما صدقت عليها ثماني دول، وستسهم في حظر استخدام الأسلحة النووية -أو التهديد باستخدامها أو حيازتها- حال وضعها موضع التنفيذ.
وتعدّ معاهدة حظر الأسلحة النووية خطوةً مهمةً نحو إرساء قاعدة دولية جديدة، كما تمثل أيضاً نتاجاً منطقياً لإخفاقات معاهدة منع الانتشار. لكن نظراً لتجاوزها معاهدة منع الانتشار من وجهين أساسيّين؛ فقد فجّرت معارضة شديدة، حيث تمنع معاهدة الحظر ما يسمى بمعاهدات التشارك النووي، التي تمكّن حلفاء الدول النووية من تخزين أسلحة على أراضي تلك الدول، فضلاً عن تقويض معاهدة الحظر منطقَ الردع بتجريم «التهديد باستخدام» الأسلحة النووية.
وإذا أردنا الإبقاء على النظام العالمي لمنع الانتشار حياً وقابلاً للتطبيق؛ فلا بد من التوفيق بين الرؤى المتعارضة التي تعكسها معاهدة منع الانتشار ومعاهدة الحظر. ولتحقيق ذلك؛ ينبغي للمجتمع الدولي الاتفاق على استراتيجية لإرساء نظام عالمي يساعد بموجبه تخفيضُ المخزون الاحتياطي من الأسلحة النووية على تعزيز الأمن الإقليمي والعالمي لا تعريضه للخطر.
ولا ريب أن مثل هذا الأمر ينطوي على مردود عكسي رهيب؛ فهو لن يؤدي فقط إلى زعزعة النظام النووي القائم، وزيادة شعور دول كثيرة بعدم الأمان، وإنما سيعمق أيضاً تشبث الدول المسلحة نووياً بالقنابل التي تمتلكها فعلاً. ورغم ما يشوبها من عيوب؛ فإن معاهدة منع الانتشار كانت سبباً في استقرار نووي دام أعواماً. وحتى الدول التي رفضت التوقيع على المعاهدة كان لها دور في بقائها، سواء أَبرمت معاهدة الحظر أم لم تُبرم، نظراً للتداعيات الخطيرة على الأمن العالمي التي قد تنجم عن انهيار معاهدة منع الانتشار. ولذا؛ يجب على كل الأطراف الإسراع بإعادة اكتشاف مصلحتهم المشتركة في تنفيذ نزع نووي عملي وفعال.
سيكون رفض ترامب تجديد اعتماد الاتفاق النووي مع إيران بمثابة مؤشر لوفاة هذا الاتفاق على الأرجح، لكن بغض النظر عن مصير البرنامج النووي لإيران أو كوريا الشمالية؛ فإن إضعاف معاهدة منع الانتشار النووي -التي شكلت أساس النظام النووي العالمي لنصف قرن- يمثل التهديد الأكبر بين جميع التهديدات.}