سرّبت رئاسة الجمهورية في مصر، عن طريق محرري الرئاسة، ومن دون إصدار بيان رسمي بذلك، يوم الأحد، خبراً عن زيارة متوقعة للرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الولايات المتحدة الأميركية. وقد طلب المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، السفير علاء يوسف، من الصحافيين والمواقع المختلفة نشر الخبر نقلاً عن «مصادر مسؤولة في الرئاسة». وتضمن خبر الزيارة أنها ستكون خلال الأسبوع الأول من شهر نيسان المقبل، وأنها تأتي تلبية لدعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مشيراً إلى أن هذه الزيارة الرسمية تعد الأولى للسيسي إلى واشنطن منذ توليه المنصب عام 2014، وورد في الخبر أنّ من المقرر أن يجري السيسي وترامب «مباحثات هامة في البيت الأبيض، لتعزيز العلاقات الثنائية، والتشاور بما يتعلق بالأوضاع الإقليمية والدولية».
ومثلما لم يصدر أي بيان رسمي من رئاسة الجمهورية في مصر عن الزيارة، لم تصدر أيضاً أية أخبار عنها من الجانب الأميركي، ما فسره مراقبون بأنها طريقة عادة ما يستخدمها السيسي عند إعلان تحركاته الخارجية، إذ إن المستشارين يقومون بتسريب خبر مثل هذا، ثم ينتظرون ردود الفعل عليه من جميع الأطراف. وكان الرئيس الأميركي أجرى، في كانون الثاني الماضي، محادثة هاتفية مع نظيره المصري، أكد خلالها استعداده لمواصلة تقديم المساعدات العسكرية إلى مصر لدعم المعركة ضد «الإرهاب». وذكر البيت الأبيض حينها، أن ترامب أكد التزامه مواصلة تقديم المساعدات العسكرية إلى مصر والعمل معها، مشيداً بجهود القاهرة في مكافحة «الإرهاب».
تسريب خبر زيارة السيسي إلى واشنطن جاء بالتزامن مع إعلان السفير علاء يوسف عن وصول الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إلى القاهرة، يوم الأحد، تلبية لدعوة من السيسي. وأضاف أن من المنتظر أن تتطرق المباحثات إلى الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والأمنية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والأفكار المتداولة بشأن سبل استئناف عملية السلام، لا سيما في ضوء عضوية مصر الحالية في مجلس الأمن، والاتصالات التي تقوم بها مع الأطراف الإقليمية والدولية بهدف توفير البيئة الداعمة لاستئناف عملية السلام، وتشجيع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، على العودة إلى طاولة المفاوضات. مصادر مطلعة في الرئاسة أكدت أن السيسي وجّه دعوة إلى عباس لاستطلاع رأيه حول أفق حلّ القضية الفلسطينية، قبل لقاء السيسي وترامب، لا سيما أن عباس كثيراً ما أعرب عن رفضه لمقترحات الحل التي وضعها السيسي بالاتفاق مع الإسرائيليين، ومنها ما تم الكشف عنه من نتائج لقاء العقبة بين السيسي ووزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتن ياهو. وأضافت المصادر أن الزيارة ستأتي أيضاً نظراً لأن الإدارة الأميركية، برئاسة ترامب، بدأت العمل لإطلاق عملية سياسية حول قضية «الصراع العربي الإسرائيلي»، وأن لقاء السيسي وعباس هدفه إجراء مشاورات حول التطورات الفلسطينية قبل أن ينطلق الرئيس المصري للقاء الرئيس الأميركي خلال الأيام المقبلة.
ورأى محللون أن من الصعب التكهن بتفاصيل الخطة التي وضعها ترامب والإسرائيليون والسيسي في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، إلا أنهم جزموا بأن هناك شيئاً ما يحضر له في الخفاء بالنسبة إلى هذا الملف، مؤكدين أن الرئيس المصري أبدى مرونة كبيرة وتعاوناً في مفاوضاته مع الأميركيين والإسرائيليين، وأنه مستعد لتقديم تنازلات أكبر في المستقبل، لا سيما أنه يحتاج إلى الدعم الأميركي على المستوى الداخلي في مصر، بعد التراجع الكبير الذي لحق بشعبيته، والأزمات الاقتصادية الصعبة والمتلاحقة التي تمر بها الدولة.
وظهرت أولى بوادر الدعم الأميركي بعد لقاء ترامب وولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في واشنطن، نهاية الأسبوع الماضي، وما ترتب على اللقاء من إعادة ضخ شركة البترول السعودية «أرامكو» شحنات البترول التي كانت توصلها إلى مصر، في إطار الاتفاق الذي وقعه السيسي مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، ثم تم وقفه من قبل الرياض، بعد توتر علاقتها مع القاهرة نتيجة لموقف مصر المعاكس للمملكة من الوضع في سورية، بالإضافة إلى أزمة اتفاقية تيران وصنافير التي أبطلها القضاء المصري.
وقالت مصادر مصرية رسمية، إنّ من المتوقع أيضاً أن يلتقي السيسي مع أعضاء في الكونغرس الأميركي، بالإضافة إلى عقد لقاء مع مجتمع الأعمال الأميركي لاستشراف «الفرص الواعدة للاستثمار في مصر»، إضافة إلى بحث زيادة التبادل التجاري بين البلدين. وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري، قد زار الولايات المتحدة الأميركية أخيراً للإعداد لزيارة السيسي المرتقبة إلى واشنطن. ونقل شكري رسالة شفهية من السيسي إلى ترامب ونائبه مايك بنس، أكدت «عمق وخصوصية العلاقات المصرية الأميركية، وتطلُّع مصر إلى تعزيز علاقات التعاون مع الإدارة الأميركية الجديدة، وتأكيد إمكانية اعتماد الولايات المتحدة على مصر كشريك يدعم الاستقرار ويسهم بفاعلية في حل أزمات الشرق الوسط، ويسهم بفاعلية في جهود مكافحة الإرهاب».
وكان مصدر دبلوماسي مصري، قد كشف في وقت سابق، عن أن «هناك اتصالات متقدمة بين القاهرة وواشنطن لتبكير موعد زيارة السيسي للولايات المتحدة للقاء ترامب، ليصبح في مطلع شهر آذار الحالي»، وهو ما لم تنجح فيه الإدارة المصرية، ليعود الحديث مرة أخرى عن الموعد المقرر سلفاً، وأن تكون الزيارة خلال نيسان. ويعتبر حديثه عن خطة الإدارة الأميركية الجديدة لنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس المحتلة، صورة مكررة للطريقة التي تعامل بها مع الملف السوري والحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، عندما تولى رئاسة مصر منذ عامين ونصف عام، ما أدى إلى استبعاد مصر من المحادثات الدولية والإقليمية في الشأن السوري. وبدلاً من أن يعلن السيسي تأييده أو معارضته للخطوة التي تعهّد بها ترامب، فقد قال، نهاية الشهر الماضي، إن «مصر لا تريد تعقيد الأمور، وإن تحقيق السلام للفلسطينيين نقطة فاصلة في المنطقة، وأنه يبلغ المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين بأهمية ذلك، وأن مصر تبذل جهوداً حتى لا يزداد الأمر تعقيداً».