العدد 1354 / 20-3-2019

يوم الجمعة هو اليوم المفضل للمتظاهر العربي، وإن وُجد من يقرأ في اختيار هذا اليوم وجهاً دينياً فقط فهذه ليست مشكلة المتظاهر الذي يرى فيه مساحةً زمنيةً أكبر يستطيع قضاءها في الشارع، ليعبّر بصخب عما يريد..

القضية التي يتظاهر من أجلها الناس لا تلغيها رغبة بعضهم بإلصاق التهم بجموع المتظاهرين، كأن يكون مجرّد التظاهر في يوم الجمعة كافياً، وربما دليلاً دامغاً لإدانة كل من يوجد يوم الجمعة في الساحات الساخنة.

على الرغم من تأخر الجزائر عن الانخراط في ثورات الربيع العربي، ولكن جاء يوم الجمعة مفضلاً للجماهير لتخرج إلى الشوارع. وفي الجمعة الفائتة، جاب شوارع الجزائر آلاف المتظاهرين، رفضا لترشح الرئيس الذي يرغب باحتجاز كرسي الرئاسة للمرة الخامسة على التوالي، وهو في حالة صحية بالغة السوء، تقعده عن الحركة، بالإضافة إلى إصابته بجلطة دماغية منذ ست سنوات.

ساد التظاهر الجزائري (حتى الآن) هدوءٌ حذر لم يسقط خلاله قتلى، ولكن هناك مؤشرات إلى أن السلطات قد تستعمل قبضة أقوى بحجج تقليدية، ساقتها أنظمة عربية كثيرة، وهي تقمع المتظاهرين. أول المؤشرات هي رسالة عبدالعزيز بوتفليقة التي "حذَّر" فيها من وجود أحزاب خبيثة قد تؤثر سلباً على سلمية التظاهر، وثانيها مشهد رجل عسكري يحتل مكانةً مرموقةً في القوات المسلحة، وهو يتلو على الجزائريين فضائل الأمن والأمان، ويحثهم على عدم التفريط به، وهذان مؤشّران يمكن أن يُفهم منهما تحذير من السلطة، في حال استمرار التظاهر، وإذا أرفق معهما إصرار الرئيس على الترشح من مستشفاه، على الرغم من أنف الشارع الذي يغلي، فإن الوضع ينذر بالخطر.

لم تنخرط الجزائر في الموجة الأولى من الربيع العربي، ولم يملأ المتظاهرون الشوارع الجزائرية، كما في الجارتين تونس وليبيا. ولكنها بالطبع عانت الأمراض نفسها التي استبدّت بالدول المجاورة، كالفساد والمصادرة السياسية وتضييق الحريات، والإصرار على النظام السياسي ذاته، ولكن النظام هنا كان على شكل نسخة مريضة لرجلٍ ينتمي إلى عقليات قرن سابق، ترافقه مجموعة وجوه سياسية بمضامين عسكرية، تسيطر على الجيش والأمن، وتحرص على أمان النظام بالدرجة الأولى. ومن باب المحافظة على تقاليد هذه الأنظمة، جرى التلاعب بالدستور الجزائري، عند ترشح بوتفليقة لولاية ثالثة، وجرى تعديله ليسمح له بالبقاء على الكرسي، وهو سيناريو مطابقٌ لما جرى في معظم دول المنطقة. كما يوجد في الجزائر أيضاً نظام العائلة، فشقيق الرئيس يتمتّع بمكانةٍ كبيرة، وكلمته مسموعة تحت وظيفة فضفاضة هي "مستشار الرئيس".

ما يحدث في شوارع الجزائر اليوم هو الحلقة التالية من المسلسل نفسه الذي شهدته الدول الأخرى. ولكن حتى هذه اللحظة لم يبدأ القمع العنيف، ولم تقرّر الصحافة الرسمية الإعلان عن عصاباتٍ مسلحةٍ تندس بين الناس، تخرب وتحرق وتطلق الرصاص، وما زالت الجماهير تحافظ على الهدوء، ويقودها السلم بشكلٍ يتماشى مع ما قاله شاعر جزائري "لن أقذف حجراً، ولن أحطم نافذة"، في دعوةٍ (وربما إثبات) إلى سلمية المظاهرات. وتمنّى على المشاركين تنظيف الشوارع عند نهاية الاعتصام. وليس هذا الرجل المثقف الوحيد الذي ساند الجماهير، فقد وقفت معها نقابات ومحامون وسياسيون وأعضاء في حزب السلطة نفسه، وحتى أعضاء في هيئة المحاربين القدماء، وهؤلاء كانوا زملاء بوتفليقة إبّان مواجهة الاستعمار.

على الرغم من كل هذا التكتل المعارض، ما زال النظام يبدي تعنتاً، ويصرّ على ترشيح بوتفليقة، ويرسل رسائل تتضمن معنى الأمن والأمان، وتحذر مثيري الشغب، ما يشي بأنه لن يستسلم بسهولة، ويعني وضع الملايين الأربعين الذين هم عدد سكان الجزائر، وثلثهم من الشرائح الشابة، في مهب رياح غير معروفة الوجهة. وليس لدينا إلا الأمل بأن يكون النظام الجزائري متعقلاً، فلا أحد يرغب بمشاهدة الحلقة العنيفة التالية من السيناريوهات المعروفة في ليبيا واليمن وسورية.

فاطمة ياسين