عثمان المختار

في الثامن من شهر شباط الماضي، توجهت قافلة عسكرية تابعة للجيش العراقي إلى بغداد، آتية من البصرة وتحمل نحو 16 طناً من الأسلحة والمعدات العسكرية التي قدمتها دولة أوروبية للعراق. وصلت هذه المساعدات العسكرية عبر ميناء أم قصر في البصرة، المطل على الخليج العربي. لكن سرعان ما فُقِد جزء من شحنة السلاح هذه على الطريق، حيث تعرضت الشاحنات التي تنقل تلك الأسلحة لعملية سرقة، على الرغم من وجود قوات كبيرة خُصّصت لحمايتها. بعد أيام قليلة، أغلقت الحكومة التحقيق بالحادث، إذ توصلت إلى أن الجزء المفقود ذهب لصالح ميليشيات «الحشد الشعبي» وتحديداً خلال مرورها بمحافظة بابل، جنوبي بغداد، التي تعدّ واحدة من أبرز معاقل ميليشيات «الحشد» في الوقت الحالي. وتحاول حكومة رئيس الوزراء، حيدر العبادي، التحفظ على الموضوع، كما أن الكتل السياسية تخشى التحدث عن هذا الملف، علماً بأنها ليست المرة الأولى التي تتسلل فيها الأسلحة الغربية للميليشيات على الرغم من أن الجهة الموجهة إليها هي الجيش العراقي. 
ويعود سبب محاولة الحكومة التكتم على ذلك إلى خوفها من انقطاع المساعدات الغربية للجيش العراقي والتي شكلت في الربع الأخير من العام الماضي،  أكثر من ثلث واردات الجيش العسكرية التي ترد مجاناً له تحت عنوان «الحرب على الإرهاب». وباشرت وزارة الدفاع العراقية وقف عمليات السطو على شاحنات نقل الأسلحة الأوروبية والغربية التي تصل عبر موانئ البصرة. ومن أبرز تدابيرها، اعتماد وسائل النقل الجوي، إذ تنقل المساعدات بطائرات شحن من معسكر «الهارثة» ومخازن أم قصر، في البصرة، إلى مخازن الجيش في بغداد ومدن عراقية أخرى. إلا أن ذلك لا يمنع أن تقتحم أي مجموعة تابعة لميليشيات «الحشد» تلك المخازن وتأخذ ما تريد منها. فسلطتها الكبيرة وغموض إحدى فقرات ما يعرف بـ«قانون الحشد»، التي تتناول قنوات تسليحها، يجعلان السلاح الغربي الحديث يصل مباشرة إلى تلك الميليشيات التي تدين بالولاء لإيران. وقال مسؤول عسكري رفيع في وزارة الدفاع العراقية، إن جانباً كبيراً من هذا الملف يخضع لأجندات سياسية، وليس كما يقال لتوفير السلاح ودعم الجهود لقتال تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش). وبيّن أن ترسانة الميليشيات العسكرية باتت تتغذى من المساعدات الغربية الخاصة بالجيش العراقي وبنسبة تصل لأكثر من 35 بالمائة، لا سيما في ما يتعلق بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة والصواريخ الحرارية والمعدات الخاصة الأخرى.
وتسلم العراق خلال العامين الماضيين مساعدات عسكرية كبيرة من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وتشيكيا والسويد وفرنسا وروسيا ودول أخرى، في إطار الدعم المقدم للعراق في الحرب الدائرة ضد «داعش». كما أرسلت دول عربية عدة شحنات أسلحة، قال عن إحداها رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، العام الماضي، إنها اختفت قبل وصولها للجيش العراقي، دون أن تعلق الحكومة على مطالبته بفتح تحقيق في الموضوع.
وأضاف المسؤول العسكري العراقي نفسه، الذي اتهم أمين السر لدائرة التموين بوزارة الدفاع، اللواء ثامر العكيلي، بالضعف والخوف من الميليشيات وبعدم منعها من الاستحواذ على قسم من المساعدات العسكرية الغربية، أن ميليشيات «حزب الله» و«النجباء» و«بدر» و«العصائب» هي أكثر الفصائل تورطاً في الاستيلاء على السلاح الغربي بدون وجه حق. وتابع أنه من غير المستبعد أن تنقل الميليشيات هذا السلاح إلى سورية. ولفت إلى أنه «حتى قاذفات أي تي-4 الأميركية التي جهز بها الجيش العراقي أخيراً تحوّل قسم غير قليل منها إلى أيدي تلك الميليشيات، كما أن بنادق أم-16 متوفرة بكثرة لديها، على عكس الجيش العراقي وباقي القوات النظامية»، وذكر أن كل «من يحاول أن يثير الموضوع أو يعترض سيقتل أو يقال من منصبه أو تلفق له تهمة فساد إداري أو يقع تحت طائلة المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب النافذ في العراق».
وفي هذا السياق، أكد عضو غرفة العمليات العسكرية المشتركة لتحرير محافظة نينوى من قبضة «داعش»، العميد الركن حسين الطائي، أن تلك الأسلحة «تعتبر ذمة عند الميليشيات، ستعيدها بعد نهاية الحرب، وتستخدم لهدف واحد هو القضاء على داعش، وسيتم دعم أي قوة أخرى حتى لو كانت من غير الحشد، وبالكمية نفسها»، بحسب قوله. ونفى أن يكون الاستيلاء عليها «غير شرعي أو تم بالقوة من قبل الميليشيات»، إلا أن ضابطاً آخر بقيادة عمليات نينوى خالفه الرأي، مبيناً أن فصيل «عصائب الحق» التابع لميليشيات «الحشد» يمتلك من بنادق الـ«أم-16» ما يفوق ما يمتلكه اللواء الثاني بـ«الفرقة 16» في الجيش العراقي. وأضاف أن ميليشيات «الحشد» أخذت الأسلحة «بالقوة وبدون مستند استلام أو محضر رسمي، وبعضها تم بيعه والآن يستخدم في المناسبات العشائرية جنوبي العراق بكثرة، حتى أن سعر القطعة الواحدة منها انخفض بسبب وفرة هذه البندقية الأوتوماتيكية، إذ باتت تباع الواحدة منها بأقل من 1200 دولار أميركي»،   معتبراً أن «هذه المعادلة ستكون كارثية على العراق،  وأضاف: «نخشى من معارك مستقبلية وفتن طائفية بسبب هذا السلاح الذي تحركه عقول إيرانية».
وفي هذا الصدد، انتقد العضو بـ«التحالف الكردستاني»، حمّة أمين، ما سمّاه تعامل الحكومة مع قوات أخرى تتشارك معها الهدف نفسه. وأوضح أن الحكومة لا تعطي «البشمركة» أيّاً من تلك المساعدات في الوقت الذي تفتح فيه أبواب مخازن الجيش أمام الميليشيات، كما أنها تحاصر مقاتلي العشائر الذين اشتروا أخيراً سلاحاً من السوق السوداء على نفقتهم الخاصة، وفق تأكيده. وخلص إلى أن «هذا الملف جزء من النهج الطائفي والعنصري الذي ورثته حكومة العبادي عن حكومة نوري المالكي ولم تتخل عنه».