حسن حكيميان

من الواضح أن الانتشار السريع للاضطرابات المدنية في البلدات والمدن الإيرانية، التي بدأت في أواخر كانون الأول الماضي؛ فاجأت الجميع تقريبا: حكومة الرئيس حسن روحاني الإصلاحية، والعديد من المواطنين والمراقبين.
فبدءاً من مشهد -وهي مدينة دينية كبرى تقع في شمال شرق البلاد ومعقل لخصوم روحاني المحافظين- اجتاحت الاحتجاجات عدداً من المدن الأصغر حجماً، بوتيرة من السرعة والضراوة ما كان ليتوقعها سوى قلة من المراقبين.
وسرعان ما تحولت الاحتجاجات -التي غذاها ارتفاع تكاليف المعيشة واتساع الفوارق الاقتصادية والاجتماعية- إلى رفض النظام ذاته. وفي حين كان فيه قسم كبير من الغضب موجهاً إلى المؤسسة الدينية بقيادة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي؛ فإن المخاطر المحيطة بالإصلاحيين لا تقلّ شدة عن تلك التي تحيط بمنافسيهم المتشددين.
لم يعتد الإصلاحيون الإيرانيون أن يكونوا هدفًا للإحباط الشعبي، كما هي حالهم الآن. ففي الانتخابات الرئاسية الإيرانية، كان الإصلاحيون السياسيون حريصين على توجيه السخط الشعبي عبر وعود بمستقبل أكثر تبشيراً. ويتعارض هذا الدور التاريخي مع مسؤولية الإصلاحيين الحالية المتمثلة في استعادة القانون والنظام إلى المناطق الحضرية في إيران.
انتُخِب روحاني لولاية ثانية قبل سبعة أشهر فقط، حيث نجح في تأمين أغلبية صريحة بلغت 57% من الأصوات وسط إقبال كبير من الناخبين. ويبدو أن الأحداث الأخيرة تشير إلى أن العديد من الشباب الإيرانيين يشـكّون في قدرة روحاني على تحقيق قدر أكبر من الازدهار، وتقديم نسخة من الحكم الإسلامي أكثر اعتدالاً من تلك التي يقدمها خصومه المتشددون.
ولعل الخطر الأكبر الذي تفرضه موجة الاضطرابات يتعلق بخطط الإصلاح الاقتصادي التي أقرها روحاني. فقد اندلعت الاحتجاجات رغم عامين من التحسن المتواضع الذي شهده الاقتصاد الإيراني.
ورغم انخفاض أسعار النفط العالمية وتدفقات الاستثمار الأجنبي الهزيلة؛ فإن المؤشرات الاقتصادية كانت تتحرك في الاتجاه الصحيح منذ كانون الثاني 2016، عندما رُفع العديد من العقوبات الدولية في أعقاب الاتفاق النووي عام 2015 الذي قيّد البرنامج النووي الإيراني.
وبطبيعة الحال، لا توجد علاقة مباشرة بين المؤشرات الاقتصادية والمشاعر العامة. وفي حين تعزو فيه الحكمة التقليدية الاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار إلى الضائقة الاقتصادية، فإن الواقع ليس بهذه البساطة.
ففي الشرق الأوسط مثلاً، جاءت كل من الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وانتفاضات الربيع العربي عام 2011 تالية لطفرات غير مسبوقة في أسعار النفط، ما يعني ضمناً قدراً أعظم من الازدهار في المنطقة.
ومع ذلك، كان التحسن الذي طرأ على الاقتصاد الإيراني في أعقاب الاتفاق النووي عام 2015 أقل كثيراً من التوقعات. ويبدو أن خيبة الأمل الكبرى تمثلت في فشل النمو في إحداث أي أثر في مستويات البطالة المذهلة في إيران.
فقد بلغ معدل البطالة الإجمالي ما يقارب 13%، فيما كانت معدلات البطالة بين الشباب (29% وفقاً للأرقام الرسمية، ولكنها في الأرجح أقرب إلى 40%) بين أعلى المعدلات في العالَم. واليوم، تقبع هذه المظلمة في قلب الإحباط الشعبي، وخاصة بين الشباب الساخطين في المناطق الحضرية، الذين ساعدوا في إشعال شرارة الجولة الأخيرة من الاضطرابات. إذ ترتفع البطالة إلى أعلى مستوى بين متخرجي الجامعات، وخاصة النساء. ورغم تزايد أعداد النساء الشابات اللاتي يلتحقن بالجامعات في إيران الآن مقارنة بالذكور، فإن معدل مشاركة الإناث في سوق العمل هناك كانت 15% فقط في العام المنصرم، انخفاضاً من 20% قبل عشر سنوات.
وسيظل ايجاد فرص العمل يمثل تحدياً أساسياً لحكومة روحاني. ولأن نحو 840 ألف شخص من المتوقع أن يدخلوا سوق العمل العام المقبل وحده، فإن مجرد تثبيت استقرار البطالة في الأمد القريب لن يكون بالمهمة السهلة. ولأن أكثر من 40% من السكان تراوح أعمارهم بين 15 و34 عاماً، فإن إضافة القدر الكافي من الوظائف -في الأمد الأبعد- لن تكون أسهل.
وفي هذا السياق، أدت الاحتجاجات الأخيرة إلى إضعاف الإصلاحيين في إيران عبر التسبب في تآكل احتكارهم للأمل ودق إسفين بين السياسات الحكومية النيوليبرالية، التي كان الهدف منها معالجة المشاكل الاقتصادية في إيران وتعميق الدعم الشعبي.
كذلك يجازف الإصلاحيون في إيران بخسارة الأرضية السياسية لمصلحة منافسيهم المتشددين، الذين من المتوقع أن يتبنوا نهج القبضة الحديدية في مجال الأمن، على حساب التخفيف التدريجي للقيود الذي اعتمده روحاني.
ولكن لا يخلو الأمر من جانب مشرق يستفيد منه الإصلاحيون؛ ففيما يتوق عدد كبير من الإيرانيين إلى التمكين الاقتصادي، يخشى عدد أكبر منهم الانزلاق المحتمل إلى الفوضى والارتباك.
وخلافاً لما حدث خلال احتجاجات 2009، ومع مراعاة نتائج انتفاضات الربيع العربي؛ فقد مارس المنتمون إلى الطبقة المتوسطة الحذر حتى الآن، وراقبوا المظاهرات بترقب وخشية من مسافة بعيدة. ومن عجيب المفارقات أن عامل الخوف -وليس الأمل في التغيير بين الإيرانيين الساخطين- هو الذي قد ينقذ مسار روحاني رغم كل شيء.}