العدد 1539 /30-11-2022

صبغة الله صابر

لا يُعد إعلان طالبان الباكستانية إنهاء الهدنة بشكل كامل مع الحكومة والجيش الباكستانيين تحدياً كبيراً لإسلام أباد فحسب، بقدر ما هو اختبار لكابول ولطالبان في أفغانستان أيضاً.

فالحركة الأفغانية بحاجة إلى دعم باكستان سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، كما أنها لا تستطيع أن ترغم طالبان الباكستانية على قبول مطالب تتطلع إليها إسلام أباد، في ظل تواتر أنباء عن انضمام قياديين محليين لتنظيم "القاعدة" إلى تنظيم "داعش"، بعد مقتل زعيم الأول أيمن الظواهري في كابول في 31 تموز الماضي.

وتخشى كابول أن تنقلب عليها أيضاً طالبان الباكستانية، التي تتمتع بنفوذ لا بأس به في أوساط القبائل البشتونية، وبالتالي فإن إعلان إنهاء الهدنة من قبل طالبان الباكستانية يشكّل تحدياً كبيراً لكابول، التي استضافت، أمس الثلاثاء، وزيرة الدولة للشؤون الخارجية الباكستانية حناء رباني كهر، لمناقشة ملف طالبان الباكستانية.

وحول هذه الزيارة، كشف نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأفغانية حفيظ ضياء أحمد، أن هدفها كان إجراء لقاء بين رباني كهر ونظيرها في حكومة طالبان الملا أمير خان متقي.

من جهتها ذكرت الخارجية الباكستانية في بيان، أن الوفد الباكستاني تباحث مع قيادة طالبان في كابول العلاقات السياسية بين الدولتين، بالإضافة إلى موضوع الحدود وتعزيز التعاون في مجال التجارة والاقتصاد والاستثمار، وقضية تعليم الفتيات.

ومنذ شهرين تقريباً لم توقف طالبان الباكستانية عملياتها في شمال غربي البلاد، تحديداً في المناطق القبلية ولكنها كانت محدودة النطاق، وذلك على الرغم من تأكيدات حكومة إقليم خيبربختونخوا في المنطقة، أن وقف إطلاق النار ما زال قائماً.

وفي السياق، أفاد مستشار حكومة الإقليم، برستر سيف علي خان، في 23 تشرين الثاني الحالي، بأن التواصل قائم مع حركة طالبان الأفغانية، معرباً عن أمله في أن يتحول إلى حوار جدّي، ومن ثم التوصل إلى حل دائم. لكن في المقابل، شنّت قوات مكافحة الإرهاب وقوات الجيش عمليات عدة ضد المسلحين بما فيها طالبان الباكستانية وقتلت قياديين وعناصر فيها، مما يطرح تساؤلات حول الوضع القائم بين الحكومة الباكستانية وطالبان الباكستانية.

ولم يتأخر الأمر، مع إعلان طالبان باكستان، يوم الاثنين، إنهاء الهدنة الهشة، والطلب من أفرعها وأنصارها في مختلف أرجاء البلاد شن عمليات ضد الحكومة والجيش الباكستاني. واللافت في بيان طالبان باكستان أنه لم يصدر عن الحركة كما يحصل في العادة، بل صدر من "وزارة الدفاع في حركة طالبان الباكستانية".

وبدا الأمر وكأن الحركة تقتدي بطالبان أفغانستان، والادعاء بوجود هيكلية حكومية فيها، في حين أن وزير الدفاع الباكستاني خواجه أصف، شدّد قبل أيام في جلسة برلمانية، على أن حركة طالبان الباكستانية لم تعد قوة يعتد بها أو يمكنها أن تشكل خطراً على أمن البلاد، وأن "قوات الجيش والأمن مستعدة لقصم ظهر أي جماعة تعبث بأمن واستقرار باكستان".

لكن الزعيم القبلي من قبيلة شينواري في مقاطعة خيبر بختونخوا، عطاء الله خان شينواري يقول إن الأحوال الجوية سيئة وتزداد سوءاً، والمسلحون لا يستهدفون فقط القوات الحكومية (قوات الشرطة والجيش وشبه العسكرية) بل كل مدني يعمل في الحكومة.

ويعدّد مقتل محاميين في محكمة بشاور الأسبوع الماضي، ومقتل موظفين في دوائر غير أمنية. ويعتبر شينواري، أن "قوة طالبان الباكستانية ازدادت بعد وصول طالبان في أفغانستان إلى الحكم، وتأمل الحركة في تحقيق الأمر نفسه في إسلام أباد، أو أقله السيطرة على الحزام القبلي".

ويشرح أن "هذا الأمر ليس صعباً، لأن الشعب والقبائل غير راضين عن تعامل الجيش وقوات الأمن، فضلاً عن أن عناصر طالبان الباكستانية هم من أبناء تلك القبائل وتلك المنطقة الوعرة والجبلية، وبالتالي يصعب على الجيش الباكستاني القضاء عليها".

وفي الأسبوعين الماضيين، وقعت اشتباكات بين طالبان أفغانستان والجيش الباكستاني على الحدود في ولايتي قندهار وبكتيا، أدت إلى مقتل جنديين باكستانيين وإصابة 11 آخرين، في مقابل مقتل عنصر في طالبان أفغانستان وسائق أفغاني.

وبعد الاشتباكات، أغلق الجانب الباكستاني الحدود لمدة ثمانية أيام، مشدّداً على أنها لن تُفتح قبل قبول طالبان أفغانستان بمطالب إسلام أباد، ومنها تسليم مطلق النار على الجيش الباكستاني في قندهار. رفضت طالبان أفغانستان تلبية مطالب إسلام أباد، فاضطرت الأخيرة إلى فتح الحدود بسبب ضغوط القبائل والتجار.

غير أن الأمر يشي بأن إسلام أباد لا ترغب في الصدام المسلح مع طالبان الأفغانية. بيد أن المعضلة الأساسية في وجه العلاقات بين كابول وإسلام أباد هو طالبان الباكستانية، بسبب معارضة كابول أي عمل عسكري ضدها، في مقابل تأكيد إسلام أباد أن لمسلحي طالبان الباكستانية مخابئ في أفغانستان، وذلك على الرغم من أن التقارير القبلية تشير إلى أن أعداداً كبيرة من مسلحي طالبان الباكستانية قد عادوا إلى المناطق القبلية الباكستانية.

في هذا الإطار، لا يظنّ المحلل الأمني محمد نذير أن "طالبان الباكستانية تحتاج إلى دعم كابول، وهو موجود شئنا أم أبينا، لأن المناطق القبلية شاسعة ومعظم عناصر الحركة من أبناء تلك القبائل، كما أن الأخيرة لا تتعاون مع القوات المسلحة لأن معظمها يعتقد أن وجود هذه القوات لا يصبّ في مصلحة تلك المناطق. أما الآن فالقبلي يقف ساعات في طوابير من السيارات على حاجز للجيش فقط من أجل التفتيش، والمناطق مدمّرة ولا مؤسسات تعليمية فيها ولا مستشفيات، وبالتالي فإن القبائل تطرح تساؤلات حول دور الجيش الباكستاني في مناطقها".

أما من ناحية السلاح والعتاد، فمعروف أن في المنطقة القبلية مصانع للأسلحة (منطقة تيراه مشهورة بصناعة المسدسات ورشاشات الكلاشنكوف وغيرها)، كذلك تُجرى تدريبات كبيرة لأبناء القبائل وعناصر طالبان في صناعة المتفجرات. من هنا على إسلام أباد الإدراك بأن حركة طالبان الباكستانية موجودة حتى من دون دعم كابول، وعلى الأخيرة أن لا تدع علاقاتها مع طالبان باكستان تدمّر علاقاتها مع إسلام أباد.