العدد 1522 /3-8-2022


أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجمعة عن أمله في تعزيز التعاون الاقتصادي مع تركيا، وذلك لدى استقباله في سوتشي نظيره التركي رجب طيب أردوغان الساعي لـ"فتح صفحة" جديدة مع روسيا، في لقاء يأتي في خضم الحرب الدائرة في أوكرانيا وتلويح أنقرة بشن عملية عسكرية ضد مجموعات كردية في سورية.

وقال بوتين في بداية اللقاء الذي نقله التلفزيون الروسي "آمل أن نتمكن اليوم من توقيع مذكرة حول تعزيز روابطنا الاقتصادية والتجارية".

وشكر بوتين الرئيس التركي على الجهود التي بذلها وسمحت بالتوصل إلى اتفاق بين موسكو وأوكرانيا لاستئناف تصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود.

وقال "بفضل مشاركتكم المباشرة ووساطة الأمين العام للأمم المتحدة، تمت تسوية المشكلة المرتبطة بإمدادات الحبوب الأوكرانية القادمة من موانئ البحر الأسود" مضيفاً "بدأت عمليات التسليم وأود أن أشكركم على ذلك".

كذلك شدد على دور أنقرة في نقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر خط أنابيب "ترك ستريم"، وقال "يجب أن يكون الشركاء الأوروبيون ممتنين لتركيا لتأمينها نقل الغاز الروسي دون توقف".

من جانبه، أبدى أردوغان أمله في أن يتيح لقاؤه مع بوتين "فتح صفحة مختلفة تماماً في العلاقات" بين البلدين، مؤكداً أن الوفدين أجريا محادثات "بناءة جداً" ولا سيما حول التجارة والسياحة.

وأكد الرئيس التركي عزمه على التثبت من أن تشييد مجموعة "روساتوم" الروسية محطة نووية في أكويو بجنوب تركيا سيسير حسب "الجدول الزمني المحدد" في حين هدد خلاف بتأخير تنفيذ هذا المشروع العملاق.

ويأتي اللقاء بعد ثلاثة أسابيع على اجتماع الرجلين في طهران، ونجاح الوساطة التركية في التوصل إلى اتفاق دولي يتيح استئناف تصدير الحبوب الأوكرانية عبر مضيق البوسفور.

وبموجب الاتفاق، غادرت ثلاث سفن جديدة محملة بالذرة موانئ أوكرانيا صباح الجمعة متوجهة إلى إيرلندا والمملكة المتحدة وتركيا.

بدأ تصميم تركيا على البقاء على الحياد تجاه موسكو بشأن قضية أوكرانيا، مع أنها عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، يؤتي ثماره.

وبعد جهود استمرت أشهراً، وقعت موسكو وكييف اتفاقاً مدعوماً من الأمم المتحدة في إسطنبول سمح باستئناف تصدير الحبوب الأوكرانية المعلق منذ بدء الغزو في 24 فبراير/شباط.

وتريد تركيا الآن البناء على ذلك من أجل التوصل إلى بدء مفاوضات مباشرة بين الرئيس التركي ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في إسطنبول إذا كان ذلك ممكناً.

وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الأربعاء بعد اجتماع مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في آسيا "ناقشنا (لنرى) ما إذا كان اتفاق الحبوب يمكن أن يكون فرصة لوقف إطلاق نار دائم".

لكن هذه الجهود تعيقها تهديدات أنقرة المتكررة بشن عملية عسكرية في سوريا حيث تتعارض المصالح الروسية والتركية. وقدمت موسكو دعماً كبيراً لرئيس النظام السوري بشار الأسد في مواجهة مجموعات مدعومة جزئياً من تركيا.

واليوم يريد أردوغان عبور الحدود مرة أخرى لإنشاء منطقة أمنية في قطاع تقوم فيه القوات الروسية بدوريات، لكنه يريد طرد المجموعات الكردية التي يعتبرها "إرهابية" منها.

وقال الخبير في العلاقات الدولية سولي أوزيل من جامعة هاس في إسطنبول إن "الاجتماع (الجمعة) سيركز على الأرجح على توغل محتمل في سوريا لم تحصل تركيا من أجله على ضوء أخضر من روسيا أو إيران".

وقال "يجب أن تحصل روسيا على شيء في المقابل".

طائرات مسيّرة

وترى وسائل إعلام تركية أن ما يريده بوتين فعلياً هو طائرات مسيّرة.

وزودت تركيا أوكرانيا بطائراتها القتالية الشهيرة من طراز "بيرقدار تي بي2" التي أثبتت فاعليتها ضد الدبابات الروسية.

وذكر مسؤولون أميركيون أن وفداً روسياً زار إيران للبحث في شراء مئات الطائرات المسيّرة. ونقل أردوغان بنفسه بعد عودته من طهران طلباً من بوتين بهذا الصدد.

وإن كان مسؤول تركي أكّد لاحقاً أن الرئيس لم يكن جدياً، فإن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أكد من جهته أن "التعاون العسكري والتكنولوجي لا يزال مدرجاً على أجندة البلدين".

وكان رئيس الصناعات الدفاعية التركية إسماعيل ديمير في الوفد المرافق لأردوغان إلى سوتشي الجمعة. كذلك اصطحب أردوغان معه وزراء الخارجية والدفاع والاقتصاد والطاقة.

وأشار أردوغان إلى أنه سيبحث مع بوتين مسألة سوريا حيث تهدد أنقرة بشن عملية عسكرية ضد مجموعات كردية يعتبرها "إرهابية"، وهو ما تعارضه موسكو.

وقال الرئيس التركي بهذا الصدد إن "بحث التطورات في سوريا بهذه المناسبة سيسمح بإحلال الهدوء في المنطقة" مضيفاً "تضامننا في مكافحة الإرهاب مهم جداً".

وكان الكرملين قد جدد قبيل هبوط طائرة الرئيس التركي الجمعة، دعوته إلى أنقرة لعدم زعزعة الاستقرار في سوريا بالقيام بعملية توغل عسكري رغم "المخاوف المشروعة".

وكان بوتين حذر أردوغان بوضوح الشهر الماضي في طهران من أي عملية عسكرية جديدة في سوريا ضدّ مقاتلي حزب العمال الكردستاني وحلفائه.

ويرى المحللون أن هذا التوتر المتجدد يندرج ضمن "التعاون التنافسي" الذي يحكم العلاقة بين الرئيسين منذ عشرين عاماً.

وكتبت أصلي أيدن تاش باش العضو في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية مؤخراً أن "حرب روسيا ضد أوكرانيا أعادت الصورة التي تريدها تركيا لنفسها، صورة الطرف الجيوسياسي الرئيسي الفاعل، وأعادت أردوغان إلى المقدمة".

ولفتت إلى أن "معظم الأتراك يؤيدون موقف بلادهم شبه الحيادي بين الشرق والغرب".