العدد 1370 / 17-7-2019

ياسر الزعاترة

كثيرة هي الوجوه التي تتميز بها الحرب السورية، إن جاز وصفها بالحرب تبعا لكونها ثورة شعبية؛ بدأت سلمية، قبل أن "يعسكرها" النظام بقرار واضح منه، وبالطبع من أجل تسهيل وصمها بالإرهاب، والرد عليها على نحو دموي.

لعل أهم الوجوه الخاصة بالحرب السورية هي إجماع القوى الكبرى على حرمانها من الانتصار؛ كل منها لحسابات خاصة، فيما كان الموقف الأمريكي والغربي رهنا للرؤية الصهيونية التي أرادت سوريا ثقبا أسود يستنزف الجميع من دون إسقاط النظام.

كان الموقف الأمريكي والغربي رهنا للرؤية الصهيونية التي أرادت سوريا ثقبا أسود يستنزف الجميع من دون إسقاط النظام، وهو ما كان بالفعل

ليس هذا تحليلا للثورة التي وباتت قضيتها معروفة تماما، وإن أنكرها الشبيحة الذين يستعذبون حديث المؤامرة "الصهيوأمريكية"، حتى يبرروا وقفتهم اللاأخلاقية ضد شعب خرج إلى الشوارع في مواجهة طاغية طائفي، وليس لصالح الصهاينة ولا الأمريكان، بل كجزء من موجة الربيع العربي.

البعد الذي نعنيه هنا يتعلق بطبيعة النظام وحاضنته الشعبية الأهم، وما جرى لها خلال ثماني سنوات من الصراع.

نفتح قوسا كي نشير إلى أن ها هنا نظاما فريدا من نوعه، ولا وجود لمثيل له في أي مكان من هذا العالم. وهذا الكلام ليس للمبالغة ، بل هو حقيقة يعرفها الجميع، وإن أنكروها عبر تفسيرات وتبريرات لا تقنع أحدا، وربما عبر الإشارة إلى أنظمة مشابهة من حيث الفكرة، ولكنها ليست كذلك من حيث النسب، إذ يحدث أن تتحكم فئة بفئة أكثر منها عددا، ولكن ليس بهذا الفرق الرهيب.

لأن الكل يعلم أن الأقلية الطائفية هي من تتحكم بالمؤسسة الأمنية والعسكرية، وهذه الأخيرة هي من تتحكم بالبلد، وهي من رعت عملية توريث البلد من الأب (حافظ الأسد) إلى الابن (بشار) كأنها مزرعة، وليست دولة تطلق على نفسها لقب جمهورية.

ها هنا نظام أمني طائفي، تتحكم به أقلية لا تتجاوز نسبتها عُشر السكان، وهذا أمر لا وجود له في أي مكان في العالم. أما الكلام عن أنه ليس نظاما طائفيا، فهو أكثر من سخيف

الحديث عن أسماء من الغالبية، بجانب الأقليات الأخرى في السلطة، بما فيها المؤسسة العسكرية والأمنية، فضلا عن الحكومة التي لا قيمة لها في نظام رئاسي؛ لا يعدو محاولة لتبرير وضع مفضوح، لأن الصغير الكبير في سوريا يعرف حقيقة سيطرة الطائفة العلوية على الحكم، والذي تجاوز في مرحلة بشار المؤسسة الأمنية والعسكرية ليطال سائر القطاعات الأخرى، وفي مقدمتها المجال الاقتصادي. وهذا ما أفرز ظاهرة رامي مخلوف وأضرابه، حتى أن رموز الطائفة الأمنيين صاروا يفرضوا شروطهم على المجال الاقتصادي ويحققون ثروات هائلة عبر ذلك، وهذا أمر طبيعي في هكذا حالات.

في هذه الحرب خسرت الطائفة أعدادا هائلة من أبنائها ورموزها، ونحن هنا نتحدث عن قتلى بعشرات الآلاف، بجانب أعداد من المعوقين بطبيعة الحال؛ وهذه أرقام مرعبة بالنسبة لطائفة لا يزيد عددها عن مليوني شخص، أو أكثر قليلا إذا أخذنا في الاعتبار الزيادة السكانية خلال سنوات الحرب.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل كان ما جرى قدرا لا مفرّ منه، وهل كانت الطائفة فعلا برسم السحق لو استجاب النظام لمطالب الناس أو جزء منها بدل الرد بالحديد والنار؟

القول إن ذلك كان الخيار الوحيد هو كذبة حقيرة، فالشعب خرج إلى الشوارع يهتف "واحد واحدواحد.. الشعب السوري واحد"، ولو تمت الاستجابة، لكان بالإمكان التوصل إلى صيغة تحفظ حقوق الجميع، لكنها بالتأكيد لم تكن لتذر الأمر على ما كان عليه، من حيث سيطرة الأقلية (ترويج النظام لنفسه بأنه حامي الأقليات هو كذبة حقيرة أخرى)، وهو لن يعود إلى ما كان عليه بأي حال، لأن الحرب ستتواصل بأشكال شتى في زمن "العنف الرخيص"، وسيضطر رُعاة النظام إلى إيجاد صيغة جديدة أو المغامرة باستمرار الحرب ونزيفها المرعب على الجميع، حتى لو كانت خسارة غالبية الشعب أكبر، وقد كانت كذلك بالفعل.