انتهت محادثات أستانة في العاصمة الكازاخية بنسختها السادسة، بضم منطقة إدلب إلى اتفاق «تخفيف التوتر» في سوريا، وسط تساؤلات عن تثبيت الاتفاق لمناطق تقسيم في سوريا، وخاصة إدلب، التي ستشهد انتشاراً لقوات مراقبة من ثلاث دول.
وأقرت المحادثات تثبيت «تخفيف التوتر» في إدلب، وإرسال 1500 عسكري من تركيا وروسيا وإيران إلى المحافظة، لكنها تركت آليات التنسيق وتوزيع العسكريين إلى وقت لاحق.
وانضمت المحافظة بذلك إلى ثلاث مناطق شملها الاتفاق، هي الجنوب السوري، الغوطة الشرقية، ريف حمص الشمالي.
قاطعت المعارضة محادثات أستانة بنسختها الخامسة في تموز الماضي، ولم تتمكن الدول الضامنة الثلاث حينها من التوافق على رسم حدود مناطق «تخفيف التوتر».
وحمل وفد المعارضة ورقة انتشار الفصائل في الشمال السوري إلى طاولة المحادثات، وقال الدكتور يحيى العريضي، المسؤول الإعلامي للوفد، في حديث صحفي، إن المعارضة سعت لتجنيب إدلب خطر الدمار، مؤكداً تحديد النقاط وفقاً لخرائط التوزع الحالية، ما يضمن عدم استهداف الفصائل.
المحادثات سبقتها اجتماعات على مستوى الخبراء، بين ممثلي الدول الثلاث الراعية للمفاوضات، متمثلة بروسيا وإيران وتركيا، إلى جانب لقاءات هامشية بين دول حضر ممثلوها كمراقبين مثل فرنسا وبريطانيا والأردن، كما توقعت روسيا إشراك لبنان ومصر والإمارات والصين، كدول مراقبة في المحادثات المقبلة.
المعارضة لحماية المدنيين
العميد الركن أحمد بري، رئيس وفد المعارضة إلى أستانة، وصف نتائج المحادثات الأخيرة بأنها «ناجحة»، وخاصة تثبيت منطقة إدلب ضمن اتفاق «تخفيف التوتر»، موضحاً أنه «كانت هناك نيّة من قبل إيران والنظام والروس وحتى الأمريكيين لحرق المنطقة، بحجة استهداف جبهة النصرة» (هيئة تحرير الشام).
وقال العميد بري إن الاتفاق الذي لم توقع عليه المعارضة ولا النظام، بل الدول الضامنة، ضمِن حماية المواطنين، مقدراً أعداد الأهالي في كل من ريف حماة الشمالي وريف اللاذقية «المحرر»، وريف حلب الجنوبي وإدلب، بأكثر من ثلاثة ملايين شخص.
ومع الحديث عن مآلات الوضع في إدلب، وتحديداً التحركات التي قد تنتهجها «تحرير الشام»، أكد بري: «هدفنا ليس قتال النصرة، بل حقن دماء شعبنا»، متمنياً ألا ينتج أي صدام، «لن نقف مكتوفي الأيدي إذا أرادت النصرة افتعال صدام واختلاق المشاكل، وعليها حل نفسها بعيداً عن الارتباط بالقاعدة». وأشار إلى أن الشعب السوري «لا يناسبه القاعدة ولا داعش»، مؤكداً أنه «يؤمن بالحرية والعمل الجماعي».
ورداً على اتهام وفد المعارضة بإهمال ملف المعتقلين، أكد رئيس أركان «الجيش الحر»، أن الملف «كان أساسياً ولكن إدلب لم تكن مثبتة ضمن الاتفاق»، لافتاً إلى أن النظام حاول عرقلة الملف وتحييده، ما أجّل البت فيه إلى الجولة السابعة المقرر عقدها في أستانة، نهاية تشرين الأول المقبل.
ووفق بري فإن المعارضة اتفقت مع الأمم المتحدة وروسيا، على منحهما خريطة للسجون، «ولكن بعد تشكيل لجنة حقيقية كي لا يستغلها النظام وينقل المعتقلين»، مؤكداً رفض تسليم قوائم بأسمائهم «خوفاً من تصفية النظام لهم».
وحول المخاوف التي تناقلها مراقبون حول ترسيخ الاتفاق لتقسيم سوريا، قال رئيس وفد المعارضة إن «سوريا لن تتقسم أبداً، فأستانة محطة باتجاه جنيف، والاتفاق مستمر لمدة ستة أشهر ريثما يبدأ الحل السياسي»، مردفاً: «أكدنا في ختام المحادثات ضرورة الحفاظ على وحدة الجمهورية العربية السورية كاملة».
ووفق رؤية العريضي فإنه «لا إمارة في سوريا للأسد ولا لتحرير الشام، وإذا كانت الأخيرة ضد الاستبداد والتسلط يجب أن تلتزم الاتفاق».
 «تحرير الشام» ترفض الاتفاق
بدورها، رفضت «هيئة تحرير الشام»، التي تسيطر على معظم مفاصل محافظة إدلب، مخرجات البيان الختامي للمحادثات، وقال مدير العلاقات الإعلامية فيها، عماد الدين مجاهد،إن «حضور مؤتمرات التفاوض ليس حقاً لمن حضر، وهم غير مفوّضين بذلك».
ورأت «الهيئة» أن المحادثات «لا تحقق أهداف الثورة»، واعتبر مجاهد أنها «تهدف إلى تجميد القتال وتسوية الوضع مع نظام بشار، عبر مراحل متعددة بدأت بإيقاف إطلاق النار وستنتهي بإعادة المناطق لحكمه من جديد».
رفض «تحرير الشام» للاتفاق رافقه «استغراب» من مشاركة الفصائل في المحادثات، كما تخوف مجاهد من «أن يأتي اليوم الذي تصطف فيه تلك الفصائل الثورية إلى جانب الطيران الروسي وتقاتل من يرفض بقاء الأسد ونظام حكمه».
كازاخستان تُبدي استعدادها
إلى ذلك، أبدى الرئيس الكازاخي، نور سلطان نزاربايف، استعداد بلاده لإرسال قوات إلى سوريا، إذا وافق مجلس الأمن، مع ختام المحادثات. وقال نزاربايف إن إرسال القوات إلى مناطق ساخنة في سوريا، ممكن فقط بقرار من البرلمان وفقاً للدستور، موضحاً أن «ميثاق منظمة معاهدة الأمن الجماعي لا يفترض المشاركة في مثل هذه المناطق».
وربط إمكانية إرسال العسكريين بإرسال الأمم المتحدة قوات تابعة لها، باعتبار بلاده عضواً في الأمم المتحدة.
النظام السوري: «الاتفاق مؤقت»
موقف النظام السوري من الاتفاق كان مقتضباً، إذ أصر رئيس وفده إلى أستانة، بشار الجعفري، خلال مؤتمر صحفي عقب البيان الختامي، أنه «لا يوجد مكان في سوريا لأحد ليقيم قواعد عسكرية دون موافقة الحكومة».
وقال إن «كل حكومة وقعت على هذا الاتفاق معنية بالحفاظ على السيادة السورية»، مشيراً إلى أن «روسيا وإيران سيسائلان تركيا عن مستوى الالتزام وتطبيق البيان».
ووسط زحمة الخرائط المرسومة لإدلب من قبل الدول الإقليمية التي تسعى إلى التدخل في المنطقة، وإصرار «تحرير الشام» على ما تصفه بـ«مواصلة طريق الجهاد»، تبقى مآلات الوضع في إدلب معقدة، تنتظر ما تحمله الأيام المقبلة.
ملخص بيان «أستانة 6»
نص البيان الختامي لمفاوضات «أستانة 6» على تحديد مناطق «تخفيف التوتر» في سوريا كإجراء موقت يستمر على مدار ستة أشهر.
وأضيفت إدلب كمنطقة رابعة ضمن الاتفاق، على أن تنشر الدول الضامنة 1500 عنصر كقوات مراقبة من الدول الضامنة، متمثلة بتركيا وروسيا وإيران، كما تمت الدعوة إلى الإفراج عن المعتقلين كإجراء ثقة من قبل الأطراف.
مهمة قوات المراقبة تكمن بـ«منع حدوث اشتباكات بين قوات النظام والمعارضة أو أي انتهاك للاتفاق»، وفق البيان، الذي نص على أن المناطق تشمل بشكل كامل أو جزئي الغوطة الشرقية في ريف دمشق ومحافظات إدلب وحمص واللاذقية وحلب وحماة.
وشدّد على وحدة الأراضي السورية ومكافحة «الإرهاب»، تحت عبارة «الالتزام القوي باستقلال وسيادة ووحدة أراضي سوريا».}