تزداد مؤشرات اندلاع حرب بين إسرائيل وإيران يوماً بعد يوم، ولعل ما قدّمه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتن ياهو، من معلوماتٍ عن البرنامج النووي الإيراني، يشير إلى أن المواجهة ما بين الطرفين، ليست في سورية فقط، بل على الأراضي الإيرانية أيضاً، من خلال عمليات الموساد الاستخباراتية، التي طاولت أماكن حساسة فيها، وحصوله على وثائق من البرنامج النووي الإيراني، حوّلها نتن ياهو إلى موضوع سجال غربي ودولي.
ويبدو أن التفاعل الغربي مع ما كشف عنه نتن ياهو استدعى قيام وفود استخباراتية من كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا للذهاب إلى إسرائيل، بغية الاطلاع ودراسة المواد الاستخباراتية الجديدة التي حصلت عليها بشأن البرنامج النووي الإيراني، وصورها جهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) بمثابة «الكنز الدفين» الذي حرص نتنياهو على توظيفه داخلياً وخارجياً، وسارع إلى الكشف عنه قبيل الموعد المقرر لإعلان الرئيس ترامب قبل الثاني عشر من أيار قراره بشأن الاتفاق النووي، وهو يأمل أن يؤثر ذلك في قراره، وفي حثه على الانسحاب من الاتفاق وإلغائه تماماً، وليس تعديله.
ويبدو أن إسرائيل تستعد لحربٍ مع إيران، وتحضّر لها في الداخل وفي الخارج، إذ إن الجيش الاسرائيلي بات منذ مدّة في حالة تأهب قصوى، فيما تحوّل الداخل الإسرائيلي إلى ما يشبه   القاعدة العسكرية المغلقة، بعدما وظف ساسة إسرائيل التصريحات النارية لقادة النظام الإيراني داخلياً، كي يشعر الإسرائيليون كأنهم باتوا مجدّداً على شفير حرب وجودية. وهذا يتماشى مع طبيعة الدولة العبرية القائمة على الحرب وظيفة وأداء، إذ من دون حربٍ لا يمكن فرض التماسك على تركيبتها الاجتماعية، ولا يمكن كذلك المضي في تأكيد هويتها التي تشكل العسكرة، في أشد أشكالها تطرّفاً، مكوناً بنيوياً أساسياً من مكوناتها ونشأة كيانها.
وإذا كانت نذر الحرب كثيرة ما بين إسرائيل والنظام الإيراني، إلا أن السؤال يطاول توقيت اندلاعها، وهل ستكون محدودةً وعلى الأرض السورية فقط، أم أنها قد تتمدّد وتشمل الإقليم برمته، وهذا ما يلمح إليه الساسة الأميركيون، ويثير لديهم خوفاً متزايداً من استعدادت الساسة والعسكريين الإسرائيليين للحرب، لذلك كان مستغرباً أن يزور قائد القوات المركزية الأميركية (سينتكوم) جوزيف فوتيل إسرائيل أخيراً، ثم الزيارة الأولى لوزير الخارجية الأميركي الجديد، مايك بومبيو لها، ضمن جولته الخارجية الأولى على بعض دول المنطقة، فور تقلده منصبه الجديد.
ويمكن أن يكون الهدف من هذه التحركات مجتمعة هو تدارس الأوضاع والتنسيق ما بين ساسة الولايات المتحدة الأميركية ونظرائهم الإسرائيليين بشأن إيران، وسبل مواجهتها والوقوف في وجهها، وخصوصاً في ظل تصريحات أركان الإدارة الأميركية وأحاديثها، والجدد منهم خصوصاً، حول ضرورة الحدّ من النفوذ الإيراني في المنطقة، وتقليم أظفارها الميليشياوية فيها. 
من جهة أخرى، يمكن القول إن نذر الحرب ما بين إسرائيل والنظام الإيراني تزداد تواتراً بعد حديث ساسة إيران عن «الرد المزلزل» على الهجمات الجوية الإسرائيلية المتكرّرة لمواقع إيرانية في سورية، وخصوصاً بعد الهجمات الأخيرة على مخازن الصورايخ الإيرانية في ريفي حماة وحلب، ومقتل عشرات الضباط والخبراء العسكريين الإيرانيين، وقبلها مقتل عدد من خبراء الطائرات المسيرة «الدرون»، في القصف الإسرائيلي على مطار التيفور في البادية السورية.
ولعل تتالي الضربات العسكرية الإسرائيلية على مواقع إيرانية في سورية، وسقوط قتلى إيرانيين، يفيد بأن الحرب ما بين إسرائيل وإيران قائمة بالفعل، ويمكن توصيفها بالحرب ذات البعد الواحد، أو الطرف الواحد، حيث تستهدف إسرائيل أي موقع على الأراضي السورية لإيران، أو لمليشيات حزب الله أو للنظام السوري، في ظل تنسيق أو عدم اعتراض روسي عليها، وهذا يطرح أسئلةً عن طبيعة التحالف الروسي الإيراني في سورية، خصوصاً أن كل الهجمات الإسرائيلية جرت في ظل عدم تفعيل منظومات الصوايخ الروسية من نوع إس 300 وإس 400، التي تصاب بالعمى حين تطلق المقاتلات الإسرائيلية صواريخها على المواقع الإيرانية في سورية.
وإن كانت الحرب التي تشنها إسرائيل ذات طرف واحد مهاجم، هو إسرائيل، وطرف متلق هو نظام الملالي الإيراني وحليفه الأسدي، فإن المتوقع هو امتدادها إلى خارج الأراضي السورية، ربما إلى لبنان، أو قد تتحول إلى حرب شاملة أو مفتوحة، لكن ما يكبح هذا التوقع هو عدم امتلاك إيران القدرة عسكرياً على خوض حربٍ مفتوحةٍ ومباشرة مع إسرائيل، وصرف مليارات الدولارات على التسلح، وعلى المليشيات الطائفية، اللبنانية والعراقية والأفغانية وسواها.
ولعل صمت إيران على الخسائر البشرية التي باتت تتلقاها من جراء الهجمات الإسرائيلية، فضلاً عن الخسائر المادية، وعدم قيامها بأي رد يذكر، يفسر عدم قدرتها على خوض حرب حقيقية ضد إسرائيل وعدم سعيه إليها، إذ تعوّد هذا النظام خوض الحروب بالواسطة أو بالوكالة، حيث استخدم على الدوام أذرعه الأخطبوطية الميليشياوية من طريق ميليشيات نظام الأسد وسواه من القوى المليشياوية الأخرى، وهو اليوم في حالة ترقب وانتظار، حيث قرّر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التخلي عن الاتفاق النووي، وسنرى وقتها مدى صدقية تصريحات وتهديدات جنرالات إيران التي أشبعتنا كلاماً عن أن «صواريخها جاهزة للإطلاق»، وستقوم بـ«استهداف المصالح الحيوية للأعداء في أي مكان».}