د. أيمن أبو ناهية

الرجوع إلى ما يسمى  «المفاوضات السلمية» مع الاحتلال الإسرائيلي في ظل ميزان قوى مختلف لصالحه، وفي ضوء انقسام فلسطيني أسود ومدمر لا يمكنه أن يسفر عن أية نتيجة لصالح حقوق شعبنا الوطنية، فالأقوى هو الذي يفرض شروطه والأضعف إما ان يرضخ او يستكين ويقدم التنازلات، والافضل له ان يقلع عنها، واقصد هنا الطرف الفلسطيني، الذي خاض مسيرة عشرين سنة من المفاوضات العقيمة ولم يحصل على الحد الادنى من الحقوق الفلسطينية.
فالرهان على المفاوضات والحلول السلمية مع الاحتلال وبرعاية حصرية أميركية لن يجدي نفعاً، وهو رهان خاسر بكل المعايير والمقاييس، وقلنا أكثر من مرة وحذرنا مراراً وتكراراً من عبثية المفاوضات ومن يروج ويصفق لها، وقد أثبتت المعطيات والوقائع صحة ما ذهبنا اليه، فالرعاية الحصرية الأميركية للمفاوضات والتعويل عليها كان خاطئاً منذ البداية فمن المعروف للقاصي والداني انحياز أميركا الأعمى (لإسرائيل)، وكيلها بمكيالين في التعامل مع القضية الفلسطينية وسبل حلها، لأن الادارة الامريكية -كراعية عملية السلام- لا تلتزم بالنزاهة والعدالة في مواقفها في المفاوضات ولم تلعب دوراً حيادياً في حل القضية الفلسطينية، وكل ما تفعله هو ادارة الصراع من زاوية «ملء الفراغ» ليس إلا، وهي السياسة التي اتبعتها بعد خلوّ طرف حلفائها متمثلاً في الاستعمار الانجليزي والفرنسي من منطقة الشرق الأوسط في حقبة الخمسينات من القرن الماضي. 
كيف بنا ان نراهن على أمريكا وهي الحليف الحصري (لإسرائيل) والداعمة الأولى لها اقتصادياً وسياسياً وتدافع عنها في المنابر الدولية وتشهر الفيتو في وجه الجميع لمنع توجيه أية إدانة لها على ممارساتها وانتهاكاتها ضد الانسان والأرض والممتلكات والمقدسات الفلسطينية؟ كيف بنا أن نثق بمن يزوّد (إسرائيل) بكافة احتياجاتها العسكرية لتقتل اطفالنا وتدمر بيوتنا وتفرض علينا الحصار الخانق وتهوّد مقدساتنا وتصادر أراضينا؟ لا يمكنها بأي حال من الأحوال ان تكون منصفة لحقوقنا وتطلعات شعبنا في الحرية والاستقلال، وإنهاء الاحتلال الجاثم على أرضنا وصدورنا.
تستغل سلطات الاحتلال الاسرائيلية المحاباة الأمريكية من جانب، والانقسام الفلسطيني والأوضاع العربية الداخلية، وانشغال العالم بمحاربة الإرهاب من جانب آخر لتنفيذ سياستها في الضم والتوسع والتهويد وبناء المزيد من المستوطنات، وإقامة الجدران العازلة وهدم المنازل ومحاصرة القدس وقطاع غزة والتضييق على المواطنين في سبل العيش، لإرغام المواطنين على الهجرة خاصة في مدينة القدس لمصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية، ولصالح الاستيطان الذي تضاعف مئات المرات ان لم نقل آلاف المرات منذ اتفاقية اوسلو (المشؤومة)، ولا يزال التهويد ماضياً في الطريق السريع، ومحاولات تقسيم المسجد الأقصى مكانياً قائمة بعد تقسيمه زمانياً، واسفله الحفريات والانفاق التي تهدد وجوده.
فإذا كان هذا هو نهج الإدارة الأمريكية، إذن ما هو المنتظر من المرشحين للرئاسة الأمريكية؟! وإذا كانت الإدارة الأمريكية الحالية كما هي السابقة والقادمة متواطئة مع دولة الاحتلال لا تلزمها بالتراجع عن مشاريعها الاستيطانية التوسعية والتهويدية، بعد أن تراجع الرئيس أوباما نفسه في وقت سابق عن مطلبه هذا، فكيف بنا كعرب عامة وفلسطينيين خاصة أن نجدد الثقة مع الإدارة الأمريكية؟ وإن أي طرح الآن لإدارة الرئيس أوباما سيكون فارغ المضمون في ما يسمى بـ«الوقت الضائع» لما تبقى من ولايته، مثلما فشل الرئيس الأسبق كلينتون في آخر أيام رئاسته لتحقيق السلام بما عرف بمفاوضات «كامب ديفيد» عام 2000م وقد وصف آنذاك «برجل السلام».
فالأمم المتحدة والمجتمع الدولي اللذان ساهما في إقامة دولة الاحتلال عليها تقع مسؤولية إلزام هذه الدولة بالامتثال لقراراتها وإدانة ممارساتها ووضع جدول زمني محدد لإنهاء الاحتلال وتحقيق حل الدولتين بعد فشل خيار المفاوضات، وقبل إعادة ملف القضية الفلسطينية للأمم المتحدة، أو قبول المبادرة الفرنسية وغيرها، اعتقد أنه أصبح من الضروري والواجب الوطني إنهاء الانقسام المدمر والأسود، لكي نذهب الى العالم بموقف وطني موحد، وباستراتيجية عمل وطنية تساهم في تحقيق أهداف شعبنا الوطنية في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.