يخوض الفلسطينيون معركة جديدة في القدس المحتلة والمسجد الأقصى، عنوانها هذه المرة رفض الخضوع للإجراءات الإسرائيلية الهادفة لفرض سيادة الاحتلال الكاملة على الأقصى وتنفيذ قراراته الكاملة دون أي اعتبار لرأي الفلسطينيين وأي دولة أخرى، وفق تصريحات إسرائيلية، بدت موجّهة للأردن الذي يشرف بشكل رسمي عبر دائرة أوقاف القدس على المسجد الأقصى، بموجب القانون الدولي.
وبعد يومين من إغلاق المسجد الأقصى في وجه المصلين الفلسطينيين، ومنعهم من الدخول إليه وأداء صلاة الفجر فيه، إثر العملية التي نفذها ثلاثة شهداء فلسطينيين يوم الجمعة، بدأت السلطات الإسرائيلية، صباح الأحد، بفتح بعض بوابات المسجد الأقصى أمام المصلين، بوتيرة بطيئة، بعد قيامها بتركيب بوابات إلكترونية على مداخله وعلى بوابات البلدة القديمة في القدس، في سياق خطة أمنية موسعة وشاملة لإحكام سيطرتها الأمنية على كل أرجاء الأقصى. وكان المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أعلن مساء السبت، أن الأخير قرر «وضع أجهزة كشف المعادن في مداخل المسجد الأقصى، ونصب كاميرات خارج الحرم، لمراقبة ما يدور فيه». واللافت ما كشفه مسؤول الإعلام والعلاقات العامة في إدارة الأوقاف الإسلامية، فراس الدبس، من أن طواقم من شركة «G4S» الأمنية هي التي عملت على تركيب البوابات الإلكترونية. وهي شركة أمنية عالمية تستخدمها السعودية في كل عام لتأمين موسم الحج.
الإجراءات الأمنية للاحتلال في الأقصى والبلدة القديمة في القدس، ترافقت مع كلام إسرائيلي واضح حول الهدف منها. فقد أعلن وزير الأمن الإسرائيلي، جلعاد أردان، في مقابلة مع إذاعة جيش الاحتلال، أن السيادة على الحرم القدسي هي للحكومة الإسرائيلية، وأنها صاحبة القرار بهذا الخصوص، وأن موقف الدول الأخرى (في إشارة إلى الأردن) ليس مهماً، فالقرار يبقى لإسرائيل. واستغل أردان عملية الأقصى التي جرت الجمعة للتحريض على نواب «القائمة المشتركة» للأحزاب العربية، مدعياً أن من لا يستنكر العملية هو شريك في المسؤولية عنها وعن عمليات قد تقع مستقبلاً.
وتعليقاً على ذلك، أكدت الحكومة الفلسطينية أن كل ما تقوم به سلطات الاحتلال في مدينة القدس والمسجد الأقصى، إجراءات احتلالية باطلة ولاغية وتُعتبر مساساً بقدسية الأقصى. وطالب المتحدث الرسمي باسم الحكومة الفلسطينية يوسف المحمود، «بتدخّل دولي وعربي وإسلامي عاجل لوقف إجراءات الاحتلال المرفوضة، التي لا تتوافق مع واقع وطبيعة وسمات وتاريخ مدينة القدس». وأشار المحمود إلى أن «السيادة الإسرائيلية» على القدس، التي يتحدث عنها بعض المسؤولين الإسرائيليين، لا تعني سوى الاحتلال القائم بالقوة، وبالتالي فهي إجراءات باطلة ومرفوضة ولا أساس لها حسب كافة القوانين الدولية.
على الأرض كان المشهد مربكاً، بعد قيام السلطات الإسرائيلية بفتح اثنين من الأبواب الثمانية المؤدية إلى المسجد الأقصى بعد تزويدهما بآلات لكشف المعادن، كما أعلنت الشرطة الإسرائيلية. لكن صلاة الظهر أقيمت في الخارج، إذ رفض المصلون دخول المسجد عبر آلات كشف المعادن، فيما أبقى الاحتلال على أبواب البلدة القديمة مغلقة لغير قاطنيها. وقال مدير المسجد الأقصى الشيخ عمر الكسواني للصحافيين خارج المسجد: «نرفض التغييرات التي تفرضها الحكومة الإسرائيلية». وأضاف: «لن ندخل المسجد عبر آلات كشف المعادن».
كذلك فإن المدير العام لأوقاف القدس الشيخ عزام الخطيب، مُنع هو الآخر وعدد من مسؤولي الأوقاف من دخول الأقصى وبقي كغيره من المنتظرين عند بواباته. وقال الخطيب: «العدوان مستمر ولم يتوقف على الأقصى، وما قاموا به خطير جداً، وستكون له تبعات أخطر». ووصف الخطيب استباحة البلدية لساحات الأقصى بأنه «اعتداء لم يسجله التاريخ، ولن نسكت على استمراره».
واصطفت طوابير طويلة من المقدسيين عند حواجز الاحتلال التي خنقت البلدة القديمة وعزلتها عن محيطها، إلى درجة كان الدخول لقاطنيها يلزمهم بإبراز بطاقات هوياتهم ومستندات إقامتهم فيها. فعند الحاجز العسكري الذي نصبه جنود الاحتلال في شارع صلاح الدين المتاخم لباب الساهرة، أحد أبواب البلدة القديمة، باءت محاولات عجوز فلسطينية في السبعين من عمرها، اجتياز الحاجز وصولاً إلى سيارة تقلها من محطة الباصات إلى حيّها الواقع شرق البلدة القديمة.
لم يحدث هذا في تاريخ المدينة المقدسة منذ احتلالها عام 1967، كما روى محمد النتشة من سكان البلدة القديمة، وأضاف: «حتى تمكّنت من اجتياز الحاجز والالتحاق بزوجتي التي سبقتني باجتيازه، كان لزاماً أن أبرز بطاقات الهوية، وبعد أن تفحصوها وتثبتوا من مكان إقامتي سمحوا لي بالعبور، بينما كانت النساء وكبار السن وبعضهم من المرضى، ينتظرون الدور وسط صيحات وصرخات الغاضبين، الذين لم يتورعوا عن شتم الجنود والدخول في مشادات كلامية معهم».
الحال ذاته وقع بالقرب من باب العمود، الباب الرئيسي للبلدة القديمة، الذي وضع الاحتلال مخططاً لتحويله إلى «منطقة معقّمة»، وهو مصطلح استخدمه نتن ياهو، وكان يقصد بذلك تحويل كامل المنطقة إلى ساحة أمنية يخضع العابرون فيها إلى البلدة القديمة لفحص أمني دقيق.
«حماس» تدعو لتكثيف المواجهات
من جهتها دعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يوم الأحد، الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس إلى تكثيف المواجهات مع الجيش الإسرائيلي «رداً على جرائمه بحق المسجد الأقصى».
وقالت الحركة، في بيان لها: إن «الإجراءات الإسرائيلية في المسجد الأقصى تنتقص من دور المسلمين فيه، وتعطي السيادة لسلطات الاحتلال للتحكم بمصيره». كما دعت «حماس» السلطة الفلسطينية وقيادتها للتحرك على المستوى الدولي؛ لفضح «جرائم» الاحتلال في مدينة القدس.
وطالبت الفصائل الفلسطينية باستنفار عناصرها دفاعاً عن «الأقصى» والمقدسات.}