جمال نصار

لم تكن القرارات التي صدرت عن الملك سلمان في الرابع من تشرين الثاني 2017؛ هي بداية الزلزال الذي حدث في المملكة العربية السعودية، لتهيئة الأجواء لنجله من أجل الجلوس على عرش المملكة بشكل مستقر دون إزعاج أو نقاش، حتى لو خالف ذلك التقليد السعودي، وتم استخدام السلطة الدينية في ذلك!
فلا حرج من تطويع كل مؤسسات المملكة من أجل هذا الهدف الذي خطط له الملك سلمان منذ فترة، أي منذ اعتلائه للحكم، وبرعاية أمريكية، حيث بارك ترامب خطوات الملك سلمان الأخيرة؛ لتطويع المنطقة برمتها لما هو آت. فالأحداث التي يشهدها العالم والمنطقة تشير إلى أن هناك عملية إعادة هيكلة جذرية؛ من شأنها أن تشكل معالم القرن بترتيبات جديدة. ومن ثمّ وجدنا تضخم المهمات المسندة إلى ولي العهد محمد بن سلمان، صاحب الـ32 عاماً، بعد التخلص من ولي العهد السابق محمد بن نايف، الرجل المُخضرم، بطريقة دراماتيكية، وإطاحة أمراء نافذين من آل سعود، في مقدّمتهم متعب بن عبد الله، رئيس الحرس الوطني ونجل العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، وكذلك الوليد بن طلال، رجل الأعمال المعروف، عبر توقيفهم وتدبير اتهامات بالفساد لهم. وهذا المستوى من الضربات في النظام الملكي، غير مسبوق منذ عام 1964، باعتقال وتوقيف العشرات من رجال الأعمال والوزراء في المملكة، ما يدل على السعي الحثيث لصناعة ديكتاتور على الطريقة السعودية، بتكثيف وتحديد وحصر المهمات المهمة والأساسية في المملكة تحت سيطرة محمد بن سلمان وسطوته. وإذا نظرنا إلى المهمات التي أوكلت إلى محمد بن سلمان، في الأعوام الأربعة الأخيرة، نجد أنها لا تتناسب مع سنّه أو خبرته السياسية:
- فحين تسلم الملك سلمان ولاية العهد في عهد الملك عبد الله، عيّن ابنه محمد مستشاراً، ومشرفاً على المكتب الخاص والشؤون الخاصة لولي العهد، إلى أن صدر أمر ملكي بتعيينه رئيساً لديوان ولي العهد، ومستشاراً خاصاً له بمرتبة وزير في 13/7/2013.
-وفي 25/4/2014 صدر أمر ملكي بتعيينه وزيراً للدولة وعضواً بمجلس الوزراء، إضافة إلى عمله.
-وفي 13/1/2015 صدر قرار بتعيينه وزيراً للدفاع، إضافة إلى عمله.
-وفي 23/1/2015 صدر قرار بتعيينه رئيساً للديوان الملكي ومستشاراً خاصاً لخادم الحرمين الشريفين، بمرتبة وزير، إضافة إلى عمله. كما تولى مجلس إدارة المؤسسة العامة للصناعات العسكرية بصفته وزيراً للدفاع في ذات التاريخ.
-وفي 29/1/2015 صدر أمر ملكي بإنشاء مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية وتشكيل مجلس برئاسته، وصدر أمر ملكي في التاريخ ذاته بتعيينه عضواً في مجلس الشؤون السياسية والأمنية.
- وفي 23/3/2015 صدر قرار مجلس الوزراء بترؤس الأمير محمد بن سلمان مجلس إدارة الاستثمارات العامة، بصفته رئيساً لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
- وفي 26/3/2015 تولى قيادة التحالف الدولي في الحرب ضد الحوثيين والقوات الموالية لهم، بصفته قائد قوات التحالف الدولي في عاصفة الحزم.
- وفي 29/4/2015 صدر أمر ملكي باختياره ولياً لولي العهد، والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
- وفي 1/5/2015 عُيّن رئيساً للمجلس الأعلى لشركة «أرامكو السعودية»؛ بعد إنشائه للمرة الأولى بصفته رئيساً لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
- وفي 21/6/2017 صدر أمر ملكي باختياره ولياً للعهد، وتعيينه نائباً لرئيس مجلس الوزراء مع استمراره وزيراً للدفاع.
- إلى أن صدر القرار الأخير في 4/11/ 2017 بتشكيل لجنة عليا لمحاربة الفساد برئاسته!
أقول: لم يحدث في تاريخ المملكة منذ إنشائها أن يتم تصعيد أمير بهذه الطريقة والسرعة الفائقة، والاستحواذ على العديد من المناصب الحيوية والمؤثرة، فنجد أنه يستحوذ على الجيش النظامي، والحرس الوطني، وقوات وزارة الداخلية، والمؤسسات الاقتصادية الكبرى!
تصفية حسابات.. ومكايدة
بصرف النظر عن فكرة محاربة الفساد وغسيل الأموال التي صدر بشأنها قرار الملك سلمان الأخير باعتقال وتوقيف العشرات من الأمراء والوزراء ورجال الأعمال، إلا أنه تبقى هناك شبهة تصفية الحسابات السياسية مع بعض الأمراء في الأسرة الحاكمة، ممن يُخشى اعتراضهم  على تولي محمد بن سلمان مقاليد الحكم في المملكة.
وطبقاً لما ورد في تقرير موقع «ناشيونال إنترست» في 6 تشرين الثاني 2017: «لقد انتهك الملك سلمان بشكل صارخ القاعدة الأساسية للحُكم بتوافق الآراء بين كبار أمراء آل سعود. ومن الواضح أن ابنه محمد، الطموح والبالغ من العمر 32 عاماً، في عجلة من أمره لتركيز كل السلطة في يديه، وهذا بالتأكيد لا يبشر بالخير بالنسبة إلى مستقبل النظام السعودي، خصوصاً أن محمد بن سلمان يعتبر أيضاً مسؤولاً شخصياً عن أزمات إقليمية، بما في ذلك الانخراط السعودي في المستنقع اليمني. والسؤال الجوهري في هذا الشأن: هل هؤلاء الذين تم توقيفهم في السعودية هم الفاسدون الوحيدون؟ ألم تكن السلطات السعودية تعرف بنشاط هؤلاء الأشخاص على مدى السنوات الطويلة الماضية؟!أعتقد أن كل ما يُتخذ من قرارات في المملكة حالياً، له عدة أسباب منها:
 هل هؤلاء الذين تم توقيفهم في السعودية هم الفاسدون الوحيدون؟ وألم تكن السلطات السعودية تعرف بنشاط هؤلاء الأشخاص على مدى السنوات الطويلة الماضية؟! الملك سلمان بن عبد العزيز أراد أن يكسب بهذه الخطوة تعاطفاً من قبل الرأي العام السعودي، وخصوصاً بعد الإخفاقات الخارجية في اليمن، ومن ثمَّ أظهر التخلص من خصوم ابنه المحتملين، على أنه حملة لمكافحة الفساد وغسيل الأموال!
والخلاصة: أن هذه الإجراءات التي يتخذها الملك سلمان من الممكن أن تؤدي إلى عدم الاستقرار في المملكة؛ نظراً إلى إخلال المفاجئ بالتوازنات السياسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية والدينية، بشكل يركّز كل السلطات والأدوات في يد محمد بن سلمان، الذي يُعرف عنه اتخاذ القرارات السريعة والجريئة، والدخول في صراعات واسعة غير مدروسة أو مضمونة العواقب.}