د. مصطفى الصواف

راهن الاحتلال الصهيوني على قوته الأمنية والاستخباراتية والعسكرية، وعلى تعاونه الأمني مع أجهزة أمن السلطة في رام الله في السيطرة على انتفاضة القدس التي يقودها شباب وشابات الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية بما فيها القدس.
وظن في لحظة ما أنه تمكن من إخماد جذوتها والسيطرة عليها، وكان مقياسه في ذلك انخفاض عدد العمليات في الشهور الأخيرة بالقياس بالشهور التي سبقتها، واعتبر ذلك مؤشراً على نجاحه في السيطرة على الانتفاضة.
وجاءت عملية الشهيد البطل مصباح أبو صبيح البطولية في منطقة الشيخ جراح، التي استخدم فيها سلاحه الرشاش للرد على مزاعم الاحتلال بالقضاء على الانتفاضة، هذه العملية التي أدّت إلى مقتل وإصابة ثمانية، اثنان منهم قتلى على الأقل، إلى جانب أنها أقضّت مضاجع الاحتلال وشكلت صفعة قوية لأجهزته الأمنية وخلطت كل الأوراق، وأظهرت هشاشة منظومته الأمنية وسهولة خداعها، كما فعل الشهيد مصباح منفذ العملية التي كانت أجهزة الاحتلال الأمنية تنتظره كي يسلم لها نفسه في نفس يوم العملية، ليقضي في سجونها حكماً بالسجن لمدة أربعة أشهر لنشاطه في القدس والمسجد الأقصى، الذي اعتقل من أجله مرات عديدة، وأبعد عنه لنفس الأسباب.
كان الاحتلال يظن أن الشهيد أبو صبيح كان يحضّر ملابس السجن، وإذا به كان يحضر سلاحه (ام 16) من أجل الانتقام من الاحتلال على إرهابه وبطشه ونازيته في القدس وفلسطين، ليسلم بعدها روحه لخالقه شهيداً كما أحب ويحب كل مؤمن أن يلقى الله شهيدا، فصدق الشهيد مصباح الله فصدقه الله، أما الجسد فليفعل به الاحتلال ما يشاء، وستضمه أرض فلسطين سواء في القدس أو أي مكان آخر منها، فكل فلسطين هي أرض طاهرة مباركة.
نسي الاحتلال أن انتفاضة القدس التي مرّ عليها العام الأول ودخلت في العام الثاني تعتمد على الفردية دون التنظيم بشكل مباشر أو غير مباشر، والعمل الفردي يحتاج إلى وقت أكثر من العمل المنظم.
العمل الفردي يحتاج إلى جهد ووقت ومال، وهذا ربما الذي اعتقد العدوّ من خلاله أنه تمكن من القضاء على الانتفاضة، الفرد الذي يريد تنفيذ عملية يقوم من ألف إلى ياء العملية معتمداً على ذاته، فالتفكير يحتاج إلى وقت لاتخاذ القرار، وبعد اتخاذ القرار هو يحتاج إلى عملية رصد للمكان الذي حدده لتنفيذ العملية، وفي المكان يتم تحديد الهدف، وبعد تحديد الهدف هو بحاجة لتحديد الوقت الأنسب للتنفيذ وهذا يحتاج وقت طويل، ثم تأتي مرحلة التحضير اللوجستي للأدوات المراد تنفيذ العملية بها، وهذه تحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد والمال.
وعليه، يكون هناك طول في الفترة الزمنية بين العملية والأخرى، وهذا عكس العمل المنظم الذي يعتمد على فريق عمل، والمنفذ فقط يتلقى الأوامر بالتنفيذ وفق خطة معدة لها ومحدد زمانها ومكانها ومتوافر لها كل الإمكانات، وما على المنفذ إلا أن يكون على استعداد نفسي وموافقة على التنفيذ، وفي ذلك توفير لكثير من الجهد والوقت والمال.
اليوم، وبعد مرور عام على انتفاضة القدس, بات العمل المنظم ضرورة من ضروريات استمرارها ونجاحها، وهذا يحتاج إلى وقفة مع الذات من قبل القوى المقاومة كي تعمل على إمداد هذه الانتفاضة بكل الوسائل والإمكانات، حتى تستمر وتراكم إنجازاتها وتحقق المكاسب المختلفة منها، لأن مرحلة الفردية في العمل المقاوم استنفدت هدفها في أنها رسخت هذه الانتفاضة على أرض الواقع، وحققت بعض أهدافها في ايجاد حالة من الخوف والرعب والقلق، وأوقعت في صفوف الاحتلال خسائر بشرية ومادية، رغم فارق الإمكانات بين عمل الفرد وعمل جيش دولة تعاونه أجهزة أمن السلطة.