العدد 1428 / 16-9-2020
نواف التميمي

تحلّ هذه الأيام الذكرى الـ27 لتوقيع اتفاق أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، الاتفاق الذي توهمه بعض الفلسطينيين وعرب كثيرون مدخلاً لقيام دولة فلسطينية مستقلة على أرض الضفة الغربية وقطاع غزة، ووصفة سحرية لإحلال السلام في الشرق الأوسط، ولحظة فارقة في نقل المنطقة من حال الصراع إلى حال السلام السياسي والازدهار الاقتصادي. في المقابل، هي ذكرى اتفاق تنبه فلسطينيون وعرب كثيرون إلى خطورته، وتحسّسوا فيه ورطة تحدث عنها المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد، حين كتب أن ياسر عرفات "ورّط شعبه بمصيدة لا مخرج منها"، وأنه ألقى بنفسه بين الإسرائيليين والأميركيين (صحيفة الحياة،21 آب 1995)، واعتبره الرافضون والمتشكّكون مجرّد خديعة صهيونية أخرى، توفر الغطاء لاحتلال يواصل مشاريع التهويد والاستيطان بنهم، ويقضي على حلم "حلّ الدولتين"، تاركاً خلفه ركام سلطة فلسطينية وظيفية، تخدم أغراض الاحتلال، أكثر مما تخدم أهداف شعبها.

27 سنة مرّت منذ وقف قائدا الشعب الفلسطيني، الراحل ياسر عرفات والرئيس محمود عباس في حديقة البيت الأبيض، يقابلهما قائدا إسرائيل الراحلان إسحاق رابين وشمعون بيريز، وتوسط الفريقين الرئيس الأميركي، بيل كلينتون، وشهد العالم في نقل تلفزيوني مباشر من حديقة البيت الأبيض توقيع "إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي" بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في 13 أيلول 1993، ولا يزال كل يوم مرَ منذ تلك اللحظات يُبرهن بالملموس أن "أوسلو" لم تكن سوى وصفة للخراب الفلسطيني على كل المستويات، وفرض لواقع الاحتلال وتطبيع كيانه في العقول والقلوب العربية.

آخر ثمار هذا الزرع الفاسد هو اتفاق التطبيع بين الكيان المحتل ودولة الإمارات الذي سيجري التوقيع عليه في حديقة البيت الأبيض في 15 أيلول الجاري، مُبشراً بفتح مزيد من العواصم العربية أمام بنيامين نتنياهو المتباهي بنصره في جرّ العرب بالقوة نحو "سلام مقابل السلام"، وتكريس وجود إسرائيل في المنطقة، لا بوصفها سرطانا احتلاليا إحلاليا، وإنما حليف استراتيجي لدول المنطقة في مواجهة العدو الإيراني. وبينما لا يزال الطرف الفلسطيني يتخبط في مهرجانات خطابية بلا أي رؤية أو استراتيجية مواجهة، بل يتمسّك بعضهم بما تبقى من جيفة أوسلو، لا تبدو إسرائيل مشغولةً بالتوصل إلى حل مع الفلسطينيين، بقدر اهتمامها باختراق العواصم العربية.

27 سنة من الوهم المتراكم رمت الفلسطيني في نفق مظلم، وقد قدمت قيادة منظمة التحرير تنازلاً تاريخياً باعترافها بـ"حق إسرائيل في الوجود" وشرعية احتلالها 87% من أرض فلسطين. وفي المقابل، لم تعترف "إسرائيل" بحق الشعب الفلسطيني وسيادته على ما تبقى من فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة)، ولا يوجد في الاتفاق ما يشير إلى الضفة والقطاع كأراضٍ محتلة، ولا يوجد أي تعهد إسرائيلي بالانسحاب منها، ولا توجد أية إشارة إلى حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، أو إقامة دولته المستقلة، ولا على شبر من فلسطين. مسار سياسي طويل المدى، وصفه الرئيس محمود عباس ذات يوم بـ"هجوم السلام الفلسطيني"، لم يؤد إلا إلى تقزيم المشروع الوطني وحشره في سلطة حكم ذاتي، لا سلطة لها. وبدلاً من كبح جماح التوسع الإسرائيلي الاستيطاني، فتح الاتفاق، الورطة، شهية إسرائيل لقضم الأرض الفلسطينية، وتشييد مزيد من المستعمرات، مع التسريع في تهويد ما تبقى من القدس، وبناء جدار الفصل العنصري، ومضاعفة أعداد المستوطنين. هجوم سلام فلسطيني، لم يكن في الحقيقة إلا ملهاة لكسب الزمن، تخدم المشروع الصهيوني، الماضي بخطىً سريعة في تغيير الحقائق على الأرض.

27 سنة من الفشل المتراكم لم يتمخض جبلها إلا سلطة فلسطينية هشّة، يتحكم المحتل بكل مفاصل حياتها. سنوات عجاف طالت فيها فصول لعبة "كسب الوقت" الإسرائيلية، وغابت عبرها أي مراجعة فلسطينية استراتيجية جادّة، لا مهرجانية، تُحرّر الشعب من معتقل أوسلو، وتمنع سقوط مزيد من العرب تحت البسطار الإسرائيلي.