العدد 1489 /1-12-2021

لم يمض سوى شهر وعدة أيام على انتهاء التسويات في محافظة درعا، جنوب سورية، حتى عادت قوات النظام إلى القصف العشوائي الذي أودى الإثنين، بحياة ثلاثة مدنيين، فيما أصيب عدد من المواطنين بجروح، في مؤشر على هشاشة هذه التسويات. وقتل ثلاثة مدنيين وأصيب 11 آخرون، بينهم طلاب، أول من أمس، إثر قصف مدفعي لقوات النظام استهدف الأحياء السكنية ومحيط تجمع مدارس لحظة انصراف الطلاب في مدينة نوى، غرب محافظة درعا، وذلك كردة فعل انتقامية على استهداف مجهولين بعبوة ناسفة سيارة لجهاز الأمن العسكري التابع للنظام، أول من أمس، على طريق نوى – الشيخ سعد بريف درعا الغربي. وكان انفجار العبوة قد أدى إلى مقتل أربعة عناصر يعملون في جهاز الأمن العسكري، الذي يأتي في مقدمة أجهزة النظام الأكثر قسوة في التعامل مع المدنيين، فضلاً عن إصابة عنصر خامس.

وقال الناشط أبو البراء الحوراني، وهو عضو في "تجمع أحرار حوران" المعارض، إن "قوات النظام اعتقلت نحو 20 شاباً (أول من أمس)، الإثنين، وذلك عقب الانفجار الذي وقع على طريق قرية الشيخ سعد ومدينة نوى". وأشار الحوراني إلى أن "قوات النظام عثرت، ليل الإثنين، على جثتين لعنصرين يعملان ضمن مرتبات الفرقة التاسعة التابعة لهذه القوات مقتولين برصاص مجهولين بالقرب من دوار المخفر، وسط مدينة نوى، غربي محافظة درعا".

إلى ذلك، أفاد الناشط الإعلامي يوسف معربة، في حديث مع "العربي الجديد"، بأنّ "هدوءاً حذراً كان يسود مدينة نوى، أمس الثلاثاء، بعد يوم من قصف عشوائي بقذائف الهاون من قبل قوات النظام أدى لسقوط ضحايا مدنيين". واعتبر أن "التسويات التي جرت في محافظة درعا كان الهدف منها جمع أسلحة المدنيين وأموالهم لا أكثر"، مضيفاً أن "جميع الانتهاكات ما زالت مستمرة بحق السكان، من مداهمات واعتقالات وتصفيات".

من جانبه، قال عضو هيئة التفاوض التابعة للمعارضة في درعا إبراهيم الجباوي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ النظام "ما زال يحمل حقداً على مدن وبلدات محافظة درعا، لأنه لم يستطع اقتحامها بسبب الردع الروسي"، مضيفاً أن "النظام يتحين الفرص ويرصد أي زلة فردية ليعاقب المنطقة كلها، وهو ما حدث في نوى، الإثنين، حيث استهدفت قوات النظام المراكز الحيوية بالقصف من الثكنات المجاورة للبلدة".

وكان النظام السوري قد أجرى في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عمليات تسوية في محافظة درعا على أساس رؤية روسية للحل في جنوب سورية تقوم على سحب السلاح الفردي و"تسوية" أوضاع المسلحين والمطلوبين للأجهزة الأمنية والمنشقين عن قوات النظام، مقابل سحب الحواجز التي كانت تقطّع أوصال المحافظة. وبقيت بلدتا بصرى الشام ومعربا في ريف درعا الشرقي خارج التسوية إلى الآن، بسبب وجود "اللواء الثامن"، التابع لروسيا، فيهما.

وعلى الرغم من انتهاء التسويات وسحب السلاح من الأهالي في محافظة درعا من قبل أجهزة النظام، إلا أن الوضع الأمني ما زال هشاً، إذ إن عمليات الاغتيال المتنقلة لم تتراجع حدتها بعد، ما يؤكد أن هذه الأجهزة تعمل على إبقاء الفوضى الأمنية ذريعة للقيام بعمليات انتقامية واسعة لمعارضين.

من جهة أخرى، ذكر "تجمع أحرار حوران" أن شاباً قتل، أمس الثلاثاء، إثر استهدافه بالرصاص المباشر من قبل مجهولين في بلدة المليحة الشرقية بريف درعا، كما أصيب مدني آخر بجروح خطيرة إثر استهدافه بالرصاص من قبل مجهولين، صباح أمس، في بلدة الصورة، شرقي درعا، نقل على أثرها إلى المستشفى للمعالجة.

في السياق، تحدث "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، في تقرير له أمس، عن مقتل 69 شخصاً منذ انتهاء التسويات في محافظة درعا، منهم 36 مدنياً، بينهم طفلان، و29 من عناصر قوات النظام والمتعاونين مع المليشيات و"الفيلق الخامس" المدعوم روسياً، و4 من المسلحين المحليين الرافضين للتسويات.

وإلى الشرق من محافظة درعا، طرد أهالي بلدتي شهبا والمزرعة في ريف السويداء دورية للشرطة العسكرية الروسية، ترافقها سيارة تابعة لأجهزة النظام الأمنية، بعدما حاول العناصر الروس توزيع مساعدات غذائية للأهالي. وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، إن "الأهالي رفضوا المساعدات من المحتل الروسي"، في حادث ليس الأول من نوعه في المحافظة ذات الغالبية الدرزية من السكان، والتي تشهد هي الأخرى حالة من الفلتان الأمني وتململاً شعبياً متصاعداً بسبب تردي الأحوال المعيشية.

ويحاول النظام السوري استعادة سلطته الكاملة في السويداء، التي بقيت على الحياد في الصراع الدائر في سورية منذ أكثر من عشر سنوات. ولطالما تعاملت أجهزة النظام مع الاضطرابات التي تحدث هناك بـ"القوة الناعمة" لتفادي اتساع نطاقها وخروجها عن السيطرة في المحافظة التي يريد النظام بقاءها على الحياد، وعدم انخراط أهلها في أي نشاط معارض له.

وعيّن رئيس النظام بشار الأسد، أخيراً، أحد أقاربه، وهو نمير مخلوف، محافظاً للسويداء. ونقلت شبكات إخبارية محلية عن مخلوف تهديده لسكان المحافظة بـ"فرض هيبة الدولة وسلطة القانون وتأديب المدنيين".

ويواجه النظام حركات محلية رافضة له في السويداء، أبرزها "حركة رجال الكرامة" التي طالبت، في سبتمبر/ أيلول الماضي، برفع الغطاء عن مجموعات محلية مرتبطة بالأجهزة الأمنية مارست العديد من الانتهاكات بحق المدنيين، أو ترحيل أفرادها إلى خارج المحافظة.

وكانت "حركة رجال الكرامة" قد تأسست على يد الشيخ وحيد البلعوس في عام 2013، لمنع أجهزة النظام الأمنية من اعتقال الشبان الرافضين لتأدية الخدمة الإلزامية في قواته. واغتيل الشيخ البلعوس في عام 2015 في تفجير دامٍ، اتُّهم النظام حينها بالوقوف وراءه، بسبب تعاظم الدور الاجتماعي الذي كان يقوم به هذا الرجل، وهو ما كان يشكل خطراً على النظام.

في غضون ذلك، تطل بين وقت وآخر دعوات من قبل ناشطين ومثقفين في محافظة السويداء، لاعتماد خيار "الإدارة الذاتية" المعمول به في الشمال الشرقي من سورية. وفي السياق، قال ناشط يطلق على نفسه اسم أبو جمال معروف، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الفلتان الأمني الذي يضرب محافظة السويداء بدفع واضح من الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، يجبر الأهالي على البحث عن سبل لحماية أنفسهم"، وأشار إلى أن الدعوات لاعتماد خيار الإدارة الذاتية "تقوم على تكليف مجموعات محلية مقبولة من سكان المحافظة بذلك"، مشيراً إلى أن "الأجهزة الأمنية حالت دون عقد اجتماعات أهلية بهذا الخصوص، أخيراً، وشنت حملات تخوين بحق الداعين لهذا الأمر"، وأوضح أن "الموضوع تأجل في الوقت الحاضر بسبب هذه الاتهامات"، مضيفاً أن "الأمر متداول بين مؤيدين ومعارضين من الأهالي".