جلال زين الدين

هل هُزِمت المعارضة السورية، وانتهت ثورة السوريين، وأعلن بشار الأسد نفسه إمبراطوراً إلى الأبد، وأصبح اسم سوريا «سوريا الأسد» واقعاً لأعوام لا نعلم امتدادها؟!
يوضّح خطاب الأسد أمام حفل افتتاح وزارة الخارجية والمغتربين أنّ كل ذلك لم يحصل ولن يحصل، فما حققه نظام الأسد من تقدم حصل بفضل الأصدقاء باعتراف الأسد نفسه، وبالاعتراف نفسه يؤكد الأسد أن أمام النصر خطوات كثيرة.
ولا يؤدي نفي ما سبق من أسئلة بالضرورة حدوث العكس، ولا قرب وصول الأسد لهدفه.
إن طبيعة التحالفات الداخلية والإقليمية والدولية والتي توصف بالاضطرارية، هي التي تحدّد مآلات ما سبق ومستقبل سوريا. فداخلياً عرفت الساحة السورية تحالفات اضطرارية ما زالت الساحة تعيش نتائجها وارتداداتها، فالنظام السوري القومي العروبي وجد نفسه مضطراً للتحالف مع قوى كردية قومية انفصالية، ويدرك الجميع أن هذا التحالف اقترب من لحظات التصدع وربما الانفجار، بدليل كلام الأسد عن وحدة سوريا ووهم الخيار الذي يسعى له الكرد. وتزامن ذلك مع تطورات ميدانية على الأرض، حيث وجد الثوار في الوقت عينه أنفسهم بين ناري داعش والنظام السوري، ووجدت القوى الكردية الانفصالية في تحالفها مع نظام ضعيف فرصة لإملاء الشروط، وتحقيق المكاسب، ونجحت فعلاً في ذلك.
وأمام تلاشي داعش، وضعف قوة الثوار، وتصاعد قوة القوى الكردية الانفصالية، نقف أمام احتمال تصدع تحالف القويَّين (النظام، الكرد)، ما يعني حكماً استفادة الثوار من الصراع الجديد، وربما الدخول في تحالف اضطراري مع أحدهما يقلب كثيراً من الموازين.
هذا داخلياً، أمّا خارجيّاً فلا يختلف الأمر كثيراً، إذ نحّى النظام السوري العروبة جانباً، واضطر للاستعانة بمليشيات طائفية ناقمة على العرب والعروبة، وفي المقابل اضطر الكرد للتحالف مع الروس والأمريكان، وتحالفت المعارضة السورية مع تركيا والسعودية وقطر. وظهر ضعف تحالف المعارضة السورية، لا سيما عقب الأزمة الخليجية، مما أثر سلباً على فصائل المعارضة. ويبدو أن التحالفات الإقليمية ستأخذ شكلاً جديداً متأثرة بالأزمة الخليجية من جهة، وبالتطورات الميدانية في سوريا من جهة ثانية.
ودولياً، قدمت روسيا دعماً سياسياً وعسكرياً كان له الدور الأبرز في قلب موازين القوى العسكرية على الأرض لصالح نظام الأسد، في الوقت الذي تخلت فيه الولايات المتحدة عن المعارضة السورية التي يدعمها حلفاؤها الإقليميون، وتوجهت بالدعم للأكراد حلفاء الأسد، ما ترك علامات استفهام حول النيات الأمريكية في سوريا.
وتشهد الساحة انزياحات واضحة في التحالفات الإقليمية والدولية ستؤدي إلى استمرار الصراع أو انتهائه دون غالب أو مغلوب. فقد لعبت الأزمة الخليجية، والعداء الغربي لتركيا دوراً في التقارب التركي الإيراني، وأسهم عداء الطرفين للولايات المتحدة في ما يخص المشروع الكردي باعتباره مشروعاً خطيراً يستهدف أمنهما القومي لزيادة تقاربهما حدّاً دفع رئيس الأركان الإيراني لزيارة إلى تركيا لم تحصل منذ 38 عاماً، وتصريح الرئيس التركي عن عملية عسكرية مشتركة ضد الإرهاب.
ودفع الموقف الغربي عموماً، والأمريكي خصوصاً، الأتراك لمراجعة حساباتهم مع الروس، ولا سيما بعد إسقاط الطائرة الروسية. فمدّت تركيا يدها للروس، وبدأت العمل معهم ضمن مشروع مشترك.
وفي الوقت عينه يتعاون السعوديون مع الروس في مسار آخر، فبات وزير خارجية روسيا يتحدث عن اتصالات بالسعودية وشركاء آخرين لتشكيل وفد واحد للمعارضة السورية، ما يعني انزياحاً واضحاً بالموقف السعودي.
وتحمل التحالفات السابقة صفة الاضطرارية، إذ إنها قابلة للانفجار في أي لحظة. فالسعودية مضطرة إلى التحالف مع الروس للوصول إلى حل ما وحفظ ماء الوجه، وما اجتماع المعارضة في الرياض وحضور منصتي موسكو والقاهرة إلا دليل على ذلك. وتركيا مضطرة للتحالف مع الروس والإيرانيين.
أما الحلف الإيراني الروسي فإنه يقترب من نهايته في سوريا، فالتحالفات التي تبنيها روسيا مع تركيا والسعودية لا تسمح ببقاء الوضع الإيراني على حاله.
وقد تجد الولايات المتحدة نفسها إن أرادت لعب دور فاعل مضطرة للتحالف مع قوى عربية عشائرية في الجنوب والشرق السوريين، ولا نستبعد هنا تحالفاً بين الولايات المتحدة وقوى إسلامية متشددة في إدلب. وما دعوة أمريكا طالبان في أفغانستان للانخراط في العملية السياسية إلا دليل على إمكانية ذلك.
هذه التحالفات الاضطرارية تؤكد استطالة الصراع، واستحالة انتصار طرف على آخر على الأقل في الوقت الراهن، فكل ما يحدث من تغييرات مرتبط بهذه التحالفات بدءاً من تسليم حلب، وليس انتهاء بخفض مناطق التوتر.}