العدد 1482 /13-10-2021

عاد رفعت الأسد، شقيق الراحل حافظ الأسد وعم بشار الأسد، إلى سوريا، بعد نحو أربعة عقود على مغادرته إلى فرنسا وإسبانيا. حمل معه بعض ثروات سوريا التي تقاسمها مع أخيه حافظ الأسد كثمن تخليه عن طموحاته في السلطة.. حمل رفعت الأسد معه جرائم كثيرة نسبت إليه ولمليشيا سرايا الدفاع التي ساهم بتأسيسها لترسيخ بقاء نظام أخيه حافظ الأسد..

ارتبط اسم رفعت الأسد بتاريخ سوريا المعاصر بأهم مذبحتين: سجن تدمر حزيران 1980، ومذابح حماة في شباط 1982، وكانت لسرايا الدفاع في الذاكرة السورية من ثمانينات القرن الماضي مساحة مهمة في إرخاء نهج النظام الأسدي، المقترن بدموية مواجهة أي تحرك معارض للنظام، وبات رفعت الأسد ومليشياته ركيزة أساسية لتثبيت نظام العائلة في "سوريا الأسد".

في العقود الثلاثة الماضية، التي غادر فيها رفعت الأسد سوريا، لم يكن مسموحاً، وإلى اليوم في سوريا الأسد، أن يتم تداول أخبار جرائمه واسمه واسم مليشياته، مع أن كل سوري عاش نهاية حقبة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي كان يشهد أفعال مليشياته ويتداولها سراً، إلى أن نطق وزير دفاع الأسد الأب، مصطفى طلاس، في العام 2003 في كتابه "ثلاثة أشهر هزت سوريا" الصادر عن دار الجديد في بيروت، والممنوع من التداول في سوريا، ولخص فيه العلاقة الخاتمة بين الديكتاتور الراحل وشقيقه رفعت.

المهم في سيرة رفعت الأسد المتداولة رسمياً من وزير دفاع حافظ الأسد؛ أن قائده المفدى أنقذ الوطن من مؤامرة رفعت الأسد، بأن أرسل موفداً إلى معمر القذافي حينها ليستدين منه مبلغاً (لم يحدده) يقبل به الشقيق ويغادر سوريا إلى منفاه. ويقول عن هذا الأمر: "كانت خطوة جبارة من قائد الأمة المفدى".

ببساطة شديدة، قراءة وقائع حياة آل الأسد والعصابة المحيطة به تجعلك تقرأ من خلال تزوير وقائع المذابح اليوم في سوريا وكيف تتم معالجة ملفات الأوطان المتحولة لمزارع للعصابات الحاكمة. وخلاف المجرمين في الحكم لا يعني بالضرورة تفكك البنية الجرمية للنظام المرتبط بوظائف إقليمية ودولية، تعرت كل أوراقها في العقد الأخير خلال الثورة السورية، ثم عودة رفعت الأسد لساحته المثقلة بجرائم عديدة، والملتقي مع ابن أخيه الديكتاتور الحالي على ساحة أوسع من الجرائم، وهو ما يفتح يفتح باب التساؤل الكبير الذي يتداوله السوريون منذ عقود: كيف يستريح المجرم في منفاه الفرنسي؟ وكيف يستطيع جزار تدمر وحماه التنقل والمغادرة دون ملاحقته عن كل الجرائم؟ فقط تمت ملاحقته على جرائم غسل الأموال والتهرب الضريبي، وهي أموال منهوبة من الشعب السوري بعلم المضيف الفرنسي منذ العام 1984.

لا ينتظر أحد أجوبة محددة عن حماية الديكتاتوريات، وعن حماية المجرمين المرتبطين بها، طالما المصلحة والوظيفة الأصلية منجزة على أكمل وجه، وتحالف الديكتاتوريات والطغاة في المنطقة العربية مع "الغرب الإمبريالي" الذي يحاربونه في الشعارات، والذي يحمي عصابات الحكم المودعة أموالها في بنوكهم ولمنحها جنسياتهم كملاذ آمن لنسلها. مزرعة آل الأسد لا يقوى فيها قانون على محاسبة المجرم العائد حتى لسؤاله عن المليارات المنهوبة من خزينة الدولة، والتي اعترف طلاس بمنح الأسد الأب جزءا منها لشقيقه لينقذ البلد.

وفي قانون العصابة الحاكمة في سوريا، لا قيمة للقوانين وللجرائم المرتكبة إذا كانت منسوبة للعائلة. الأحكام الصادرة بحق رفعت الأسد في فرنسا وإسبانيا وسويسرا لا تعني نظام الأسد "المترفع" عن مواقف العم "المعارض" لتوريث ابن أخيه البلد، المهم تبادل الطاعة والمنفعة القائمة على وظيفة قمع السوريين؛ خدمة لأعدائهم.

خرج رفعت الأسد قبل أكثر من ثلاثة عقود، وهو يحمل أوزار مذابح عشرات آلاف السوريين، وعاد لحضن العائلة، بترتيب وتوافق روسي وإيراني وتساهل دولي، بعدما حصدت آلة القمع الأسدية أرواح ملايين السوريين بين قتلى وجرحى ومفقودين ومهجرين.

لم يتغير أداء النظام، تغير حال الشعب والبلد وبقيت المذبحة شاهداً نافراً في تاريخ سوريا المعاصر تقترن باسم الأسد الأب والابن والأخ والصهر والعم والعائلة؛ القاسم المشترك بينهم ارتكاب الجريمة وقدرة الإفلات من العقاب، وبالترفع عن كل قيم الحضارة الإنسانية والبشرية وقوانينها. يتم منح المجرمين صك البراءة والعودة لحضن العائلة، وبقية الشعب عليه أن يقرأ قائمة النظام الطويلة ليقبل العيش تحت بساطير عصاباته كمكرمة منه ضمن شعار إما أحكُمُكُم أو أقتلكم، تحت بصر وسمع نفاق المجتمع الدولي.

نزار السهلي