العدد 1479 /22-9-2021

أمين العاصي

قفزت محافظة إدلب في الشمال الغربي من سورية إلى واجهة الأحداث منذ مطلع الشهر الحالي عقب فرض النظام السوري تسويات على بلدات محافظة درعا، وبات يشعر بأن "الظرف مناسب" لمحاولة إجبار فصائل المعارضة على توقيع تسويات مماثلة مع تهديدها بعمل عسكري. وفي الأيام القليلة الماضية، تحوّلت إدلب إلى "المانشيت" الرئيسي لصحيفة "الوطن" الموالية للنظام، والتي ذكرت أمس الثلاثاء أن "إدلب على خطى درعا"، مضيفة: "حسم عسكري أو تسوية شاملة على مراحل". وتوقعت الصحيفة أن تخرج القمة المرتقبة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان نهاية الشهر الحالي في مدينة سوتشي الروسية، والتي قد ينضم إليها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بـ"صفقة" حول مجمل الأوضاع في الشمال الغربي من سورية. ونقلت عن مصادر قولها "إن لدى روسيا والجيش العربي السوري ما يكفي من أوراق قوة قادرة على إرغام نظام رجب طيب أردوغان على مراجعة حساباته الخاطئة"، مشيرة إلى أن "الظرف مناسب الآن لفرض تسوية شاملة في إدلب، وعلى الأقل في المنطقة الواقعة جنوب الطريق الدولي حلب- اللاذقية". كما أشارت إلى أن الصفقة تقضي بانسحاب فصائل المعارضة إلى الشمال من الطريق المعروف بـ"أم 4" والذي يربط غربي البلاد بشمالها، بعمق ستة كيلومترات تمهيداً لفتحه أمام حركة المرور والترانزيت.

ويبدو أن الجانب الروسي يضغط على الجانب التركي لتنفيذ بنود اتفاق موسكو المبرم في العاصمة الروسية في مارس/آذار من العام الماضي، وخصوصاً لجهة استعادة الحركة على الطريق الدولي "أم 4". ولكن الوقائع الميدانية تؤكد أن الوضع في محافظة إدلب مخالف تماماً للوضع في محافظة درعا، فالشمال الغربي من سورية "غابة بنادق"، ومن ثم لا يمكن لقوات النظام التقدّم في عمقه من دون دفع أثمان ربما هي فوق طاقة هذه القوات المتهالكة التي لا تتحرك من دون مساندة روسية وإيرانية. كما تضم محافظة إدلب ومحيطها أكثر من 4 ملايين مدني هم بمثابة قنبلة بشرية يحرص المجتمع الدولي على عدم الاقتراب منها لأن تداعيات انفجارها لن تبقى ضمن الأراضي السورية، بل ستطاول تركيا وتالياً القارة الأوروبية، إذ من المتوقع ظهور موجات هجرة أكبر من تلك التي حدثت في عام 2015، وهو ما تحاول البلدان الأوروبية تفاديه من خلال الضغط على الجانب الروسي للحيلولة دون وقوع صدام واسع النطاق.

وفي هذا الصدد، لفت المحلل العسكري العميد مصطفى الفرحات، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن النظام "ما فتئ يكرر أنه سيستعيد السيطرة على كامل الجغرافيا السورية"، مضيفاً: "الشمال الغربي من سورية مختلف تماماً عن جنوب البلاد، ففي شمال سورية هناك جيش كامل من فصائل المعارضة هو "الجيش الوطني" مجهز بشكل كامل لأي مواجهة، وقادر على الدفاع عن الأرض التي تقع تحت سيطرته على طول الشمال السوري". وأشار الفرحات إلى أن "تركيا رقم صعب في معادلة الصراع في شمال سورية، لا يمكن تجاوزها خصوصاً من الجانب الروسي"، مضيفاً: "موسكو تدرك أن لأنقرة وجوداً في شمال سورية بحكم الأمر الواقع. وتركيا صمام الأمان اليوم لمنطقة تضم 4 ملايين مدني جلهم مهجر". ورأى أن الدور التركي "معترف به من واشنطن والغرب عموماً، باعتبار أن أي عمل عسكري سيؤدي إلى خلل سكاني، إذ من المتوقع أن يعبر ملايين السوريين الحدود السورية التركية ويتجهوا إلى أوروبا عبر البحر وهو ما يعد كارثة إنسانية". وبيّن أن هناك تقاطعاً في المصالح بين الروس والأتراك "لا يمكن لموسكو القفز فوقه أو تجاوزه"، مضيفاً: "لذا لا يمكن أن يتخذ الروس قراراً غبياً باجتياح الشمال الغربي من سورية في ظل وجود تركي في المنطقة".

ولفت الفرحات إلى أن الجانب الروسي "يطمح إلى استعادة الحركة على الطريق الدولي (أم 4) أو السيطرة على منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي"، مضيفاً أن "النظام لا يمكنه شنّ عمل عسكري منفرداً من دون غطاء جوي روسي، وهو لم يعد يملك جيشاً، والوحدات التي بقيت لديه مهترئة ومنهارة تماماً، وشاهدنا كيف سقطت هذه القوات أمام مقاتلي محافظة درعا خلال وقت وجيز قبل إقرار التسوية الأخيرة مطلع الشهر الحالي. والمسلحون الذين بقوا لدى النظام لا يمتلكون إرادة قتال على الإطلاق، أما من يساند النظام على الأرض فهو حزب الله وبقية المليشيات الإيرانية". وأعرب عن اعتقاده أن الجانب الروسي "في أسوأ حالاته في سورية"، مضيفاً: "موسكو تتخبّط ولا تعرف ماذا تفعل أمام العقبة الكبرى في سورية التي تقف في وجهها وهي إيران. النظام لا حول له ولا قوة ويفعل ما يُطلب منه من قبل موسكو وطهران".

وفي السياق، يملك الأتراك أوراق قوة في شمال غربي سورية، إذ ينتشر آلاف الجنود الأتراك في نقاط وقواعد لعل أبرزها معسكر المسطومة القريب من قرية المسطومة، جنوبي مركز المحافظة (مدينة إدلب). كما اتخذ الجنود الأتراك من مطار تفتناز شمال شرقي إدلب قاعدة كبرى لهم، إضافة إلى نقاط ارتكاز أخرى. ومن المرجح أن مهمة هؤلاء الجنود ليست المراقبة فقط في حال تقدمت قوات النظام في عمق محافظة إدلب.

من جهته، رأى المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لا يمكن لقوات النظام التقدم في إدلب"، مضيفاً: "يجب أن ننتظر نتائج لقاء القمة بين أردوغان وبوتين". وأشار إلى أن النظام "يهدد دائماً باستعادة السيطرة على محافظة إدلب بالقوة، ولكن هذا الأمر ليس بالسهولة التي يتوقعها". ولفت إلى "أن تصريح الرئيس الروسي أخيراً بأن قوات الأسد تسيطر على 90 في المائة من الجغرافيا ملفت للنظر"، مضيفاً: "يبدو أنه لمّح إلى أن العشرة بالمائة المتبقية هي تحت السيطرة التركية في الشمال". وأشار رضوان أوغلو إلى أن "أمام الأتراك العديد من الخيارات منها تزويد فصائل المعارضة السورية بسلاح نوعي في حال عدم الاتفاق مع موسكو"، مضيفاً: "قمة سوتشي تحدد المسار، فإما التوصل إلى اتفاق أو صدام بالوكالة، وفي حال حصل الصدام من الصعب أن تتقدم قوات النظام فسيكون هناك دعم كبير لفصائل المعارضة"، آملاً "التوصل إلى حل سياسي فهو الأفضل للشمال السوري".