حازم عياد

وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان اعترض على امكانية مشاركة السعودية في محادثات الأستانة، واعتبر الرياض طرفاً غير مرحب به، منصباً بذلك نفسه ناطقاً رسمياً باسم روسيا والنظام السوري. دهقان ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بتحديد شروط عملية التفاوض وعلى رأسها بقاء النظام السوري ممثلاً برئيسه بشار الأسد مع الاحتفاظ بحقه بالترشح، وفي مراوغة واضحة لتساؤلات محاوره وبحنكة السياسي لا العسكري في المقابلة المتلفزة اعلن عدم تمسك طهران بالأسد كشخص في الظاهر، الا انه رفض تحديد الطرف الذي سيدير المرحلة الانتقالية التي تسبق الانتخابات، موحياً بأن الأسد هو الطرف الأساس في المرحلة الانتقالية.
إذاً ليس وزير الخارجية ظريف، أو رئيس الجمهورية الإيراني روحاني، من يحدد معالم السلم والحرب في سوريا، منصباً نفسه خصماً وقاضياً في الأزمة السورية، مستبعداً من يشاء ومقرراً مستقبل كافة القوى كأنه صاحب اليد الطولى في الشأن السوري، متجاوزاً كافة المرجعيات وعلى رأسها الرئيس روحاني ووزير خارجيته ظريف، والأهم من ذلك مهمشاً أدوار قوى إقليمية وحلفاء دوليين كروسيا الحريصة على عقد جولة الأستانة، والانفتاح على كافة الأطراف، مستعينة بالزخم المتولد عن تدخلها العسكري.
تزداد حدة التناقض والتصارع في تصريحات دهقان مع بيئته السياسية، سواء ما تحويه من حلفاء أم خصوم بتأكيده أنه لا وجود عسكرياً للحرس الثوري أو الجيش في سوريا، مضيفاً المزيد من الضبابية على تصريحاته غير المبرّرة كعسكري ووزير دفاع حول حاجته الى اطلاق تصريحات في شأن سياسي ليس من اختصاصه، ولا يقع ضمن نطاق عمليات قواته التي أكد أنها لا تشارك في سوريا إلا بعدد قليل من المستشارين العسكريين، فكيف الحال بتركيا المنخرطة بعمليات عسكرية شمال الفرات وروسيا، المنخرطة جواً وبحراً ومؤخراً قوات برية في حلب!!
دهقان اخبر مراسل «روسيا اليوم» الذي أجرى اللقاء بثقة وقوة أن على تركيا الخروج من سوريا في حال طلب الرئيس السوري منها ذلك، علماً بأن الرئيس السوري يخضع لسلطة طهران ورعايتها بالمطلق، فأصحاب القرار الحقيقي في طهران وليس دمشق وبشكل خاص الحرس الثوري وخامنئي، كما هو واضح من المقابلة التي اجرها دهقان، او في خطابات النصر التي خرجت من طهران بعد معركة حلب.
ما قدمه وزير الدفاع الايراني مثل استعراضاً للأوراق التي تراها طهران رابحة في المفاوضات المقبلة في الاستانة، ممثلة بالوجود العسكري وحزب الله والهيمنة الكبيرة على مفاصل النظام السوري؛ ما سمح لها الحديث باعتبارها ممثلة للشرعية في سوريا.
ما استعرضه وزير الدفاع الإيراني لا يعكس رغبة حقيقية في البحث عن حل في سوريا، وإنما مراوغة في أحسن الأحوال؛ كسباً لمزيد من الوقت إلى حين وصول ترامب الى السلطة، أو تبلور سياسة أمريكية جديدة تجاه المنطقة في اعقاب اختلال ميزان القوة لغير صالحها، فإيران غير معنيّة بإدخال تركيا للسعودية الى المعادلة السورية، مضعضعة بذلك مكانتها المهزوزة بعد التدخل الروسي الذي بات عبئاً على مشروعها السياسي في المنطقة، ومصدراً لتهديد مصالحها فيها.
إيران في مأزق سياسي ومستنفرة، غير ان غموض السياسة الأمريكية وارتباكها وتنافسها مع روسيا وتركيا، قدم لها طوق نجاة تستطيع من خلاله المناورة والعبث لوقت ليس بالقصير، فتصريحات دهقان لم تـأت للمساهمة في تخليق حل في سوريا، إنما لوضع العصي في دوالايب عجلة السياسة الروسية المتحمسة لمشاركة المعارضة السورية وتركيا والسعودية ومن معها من دول الخليج، فتغيّر موازين القوة بحسابات موسكو يحمل دلالات أوسع من الدلالات التي عبر عنها دهقان في تصريحاته لتشمل أطرافاً إقليمية لا تقتصر على طهران وحدها.