العدد 1423 / 29-7-2020
بقلم: صابر كل عنبري

في مشهد دراماتيكي، يتكشف بين كل فترة وأخرى فصل جديد من فصوله السوريالية، تتجه المواجهة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية نحو مرحلة أخرى من التصعيد، ربما هي الأكثر خطورة والأكثر وضوحا من ذي قبل. والمؤشرات والمعطيات على ذلك كثيرة، آخرها حتى اللحظة، هو حادث التحرش بالطائرة الإيرانية المدنية في الأجواء السورية، مساء أول أمس الخميس، والذي لا يبدو حادثا عرضيا بسيطا أو عابرا، أو إجراء روتينيا لضمان أمن قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في قاعدة "التنف"، شرق سوريا، كما تقول القيادة الوسطى الأمريكية "سنتكام"، لأن الطائرة مدنية وليست حربية، بالتالي لم يكن هناك أمر عاجل، يستدعي هذا التدخل لمضايقتها والمخاطرة بحياة ركابها.

دلالات استراتيجية

تحمل المضايقة الأمريكية للطائرة الإيرانية في طياتها دلالات استراتيجية، تجعلنا نتوقف عندها لخطورتها توقيتا وعمقا. ففي الوهلة الأولى، يبدو أن الحادث يأتي استكمالا واستمرارا لتصعيد واشنطن المواجهة مع طهران في ساحات الاشتباك في المنطقة، منذ قيامها باغتيال أبرز الجنرالات ، اليد الإيرانية الضاربة في المنطقة، الجنرال قاسم سليماني، مطلع العام الحالي في هجوم جوي بالقرب من مطار بغداد الدولي. ويأتي هذا التصعيد في المنطقة، بموازاة تصعيد مماثل ، تمارسه الإدارة الأمريكية في بقية الملفات المثارة مع طهران، في ما يتعلق ببرنامجها النووي أو برنامجها الصاروخي، سواء من خلال تكثيف جهودها لإعادة الملف برمته إلى أروقة مجلس الأمن الدولي لإعادة بناء الإجماع الذي حققه باراك أوباما عام 2010، والذي انتهى بمجرد التوقيع على الاتفاق النووي، الذي يعيش في الوقت الراهن أيامه الأخيرة.

لايستبعد أن يكون هذا السلوك الأمريكي قد جاء في إطار توجه ما نحو حظر الأجواء السورية على الطائرات الإيرانية، وإن كان الأمر كذلك، فإن مثل هذه الحوادث الجوية على الأغلب ستتكرر خلال الفترة المقبلة ضد رحلات إيرانية أخرى، بالتالي، يمكن اعتبار السلوك الأمريكي ضد الطائرة المدنية تدبيرا أو خطوة في إطار المساعي الإسرائيلية والأمريكية لإبعاد إيران عن سوريا ولبنان، وذلك لجهة أهمية مكان التحرش، حيث تم في الأجواء السورية، ولهوية الطائرة المستهدفة، إذ أنها تتبع شركة "ماهان"، التي سبق أن دأبت الإدارة الأمريكية على اتهامها بنقل الأسلحة الإيرانية إلى سوريا، فضلا عن وجهة الطائرة، حيث كانت نحو لبنان.

وهنا لا يستبعد أن يكون هذا السلوك الأمريكي قد جاء في إطار توجه ما نحو حظر الأجواء السورية على الطائرات الإيرانية، وإن كان الأمر كذلك، فإن مثل هذه الحوادث الجوية على الأغلب ستتكرر خلال الفترة المقبلة ضد رحلات إيرانية أخرى، سواء تلك المتجهة إلى لبنان أو سوريا نفسها، وكلها تمر من الأجواء السورية، بغية تحقيق الهدف الذي تنشده أمريكا وفي الوقت نفسه الاحتلال الإسرائيلي.

كما لا يخفى أن الانتقال إلى هذه المرحلة يؤكد عدم نجاح الضربات الإسرائيلية خلال السنوات الأخيرة لإجبار إيران على الانسحاب من سوريا، مما دفع الجانب الأمريكي إلى الدخول على هذا الخط في سوريا بطريقة أخرى. وهنا لا يخفى أيضا أن إعلان أمريكا قيامها بفحص الطائرة الإيرانية، يحمل تهديدا مبطنا من أنه لاحقا إن اكتشفت أن الطائرات الإيرانية تحمل الأسلحة قد لا تسمح لها بالعبور.

الصبر الإيراني الاستراتيجي

أما إيران فيبدو أنها تنظر إلى التصعيد الأمريكي المتصاعد أخيرا في مختلف الملفات كمحاولة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتسجيل نقاط "انتخابية" على الأرض ، لذلك رغم تهديداتها العلنية بالرد بالمثل، يبدو أنها قررت أن تتعامل مع هذا التصعيد بنفس طويل واتباع سياسة "الصبر الإستراتيجي"، انتظارا لانتهاء الفترة الانتخابية الأمريكية، وعدم منح ترامب ذرائع لتسخين المشهد أكثر مما عليه اليوم، لاستغلاله انتخابيا.

وعليه، قد تتجنب إيران الرد حاليا على مضايقة طائرتها، وتكتفي بتوجيه رسائل لواشنطن من خلال الوسيط السويسري، إلا إذا تكرار الأمر، حيث تترتب عليه تبعات سلبية إسراتيجية على السياسة الإيرانية الإقليمية، لأن حينها سيتجه الوضع نحو فرض وقائع على الأرض جوا أو برا، لا ينفع معه حينئذ التهديد بـ"الرد في الزمان والمكان المناسبين"، لذلك على الأغلب في حال تكرار الحادث، ستحاول طهران الرد عليها في أطر مضبوطة من خلال مضايقة القوات أو القطع البحرية الأمريكية بشكل أكبر من قبل في ساحات إقليمية.

عموما، ثمة معطيات ومؤشرات تشي بأن الأشهر المقبلة ستكون حبلى بتطورات ساخنة، مدفوعة بمخاوف إسرائيلية من احتمال خسارة ترامب الانتخابات الأمريكية، لذلك فإن الاحتلال الإسرائيلي اليوم في عجلة من أمره بشكل غير مسبوق، لتحقيق هدف تقليص استراتيجي للنفوذ الإيراني في المنطقة بشكل عام، وفي سوريا وكذلك في لبنان بشكل خاص، وذلك من خلال دفع الإدارة الأمريكية إلى تصعيد المواجهة مع إيران إقليميا. لكن هذا يتعلق بالهدف المرحلي لكل ما يحدث، إلا أنه في الوقت ذاته يأتي في سياق تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمشروع الأمريكي في المنطقة، بغض النظر عمن يحكم البيت الأبيض، سواء ترامب أو منافسه الديمقراطي جو بايدن.