العدد 1556 /29-3-2023

عدنان عبد الرزاق

باتت إيران على موعد مع إعادة رسم خريطة استثماراتها في سورية في ظل التطورات السياسية الأخيرة بالمنطقة، حيث تتجه طهران إلى تقليص مشروعاتها بشكل تدريجي في بعض المجالات. وتتمثل الخريطة الجديدة في لملمة طهران مشاريعها ضمن قطاعات محددة ومضمونة الأرباح، أي أن طهران ستغير الأسلوب ولكن لن تحيد عن مساعي الهيمنة على العديد من القطاعات.

ويأتي ذلك في إطار التبدلات السياسية التي طرأت ولا تزال على المنطقة، سواء ملامح المصالحة الإيرانية السعودية ومن ثم الإيرانية الإماراتية، وما قيل عن عودة إحياء التطبيع التركي مع نظام بشار الأسد، فضلاً عن مطالب وشروط روسية لعدم تمدد إيران بسورية. ودفعت هذه التطورات، حسب مراقبين، طهران أخيراً لإعادة تموضع استثماراتها ومناطق نفوذها وهيمنتها في سورية.

وفي هذا السياق، كشف مصدر سوري مطلع أن "إيران بدأت بإعادة النظر في العديد من المشروعات الاستثمارية الموقعة مع نظام بشار الأسد لإنهائها بأسرع وقت أو الانسحاب من المشاريع التي لا تزال على الورق"، بحسب المصدر.

وأضاف المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، متحدثا لـ"العربي الجديد"، أنه تم طي صفحة المصرف المشترك بين طهران ودمشق بالكامل واستبعاد تنفيذ مشغل الخليوي الثالث لصالح شركة إيرانية خاصة.

ويؤكد المصدر أن انسحاب إيران من تنفيذ عقد محطة محردة الحرارية لتوليد الكهرباء "بات مؤكداً"، مبيناً خلال اتصال هاتفي، أن الشركة الإيرانية "بيمانير" المنفذة للمشروع الموقع على الورق منذ أكتوبر/ تشرين الأول عام 2021 بقيمة 115 مليون دولار، أخبرت وزارة الكهرباء بحكومة بشار الأسد "أخيراً" بانسحابها من إعادة تأهيل المحطة التي وعدت بها سابقاً.

وكانت مدة تنفيذ العقد 26 شهراً، ويستهدف عودة 90% من استطاعة المحطة البالغة 576 ميغاواط خلال بدء التوليد قبل 45 عاماً.

ورجح المصدر نفسه "عدم إتمام كامل عقد شركة ار بي ار سي الإيرانية المتعلق بتأهيل محطة كهرباء حلب" والذي وقعته الشركة الإيرانية الحكومية مع حكومة الأسد بقيمة 123 مليون دولار، ووعدت بتأهيل كامل مجموعات المحطة بعد تأهيل المجموعة الخامسة في يوليو/ تموز الماضي.

وكان رئيس النظام السوري بشار الأسد قد زار محطة كهرباء حلب في يوليو الماضي، بعد تأهيل المجموعة الخامسة بالمحطة، مدعياً خلال حديث تلفزيوني آنذاك أن إعادة التأهيل تمت بخبرات سورية وستبدأ توليد 200 ميغاواط لتغذية محافظة حلب بالطاقة الكهربائية، وهو ما لم يتحقق أيضاً، إذ ما زال قطع الكهرباء بثاني أكبر مدن سورية يمتد إلى 22 ساعة يومياً.

وحول أسباب فسخ عقد شركة "بيمانير" الإيرانية وانسحابها من تنفيذ محطة محردة بريف حماة، وسط سورية، يشير المصدر إلى أن الشركة الإيرانية بررت ذلك بأن الأسعار تبدلت منذ توقيع العقد واليوم، كاشفاً لـ"العربي الجديد"، أن حكومة الأسد كانت ستسدد في المقابل عبر توريد كميات فوسفات للشركة الإيرانية بنحو مئة مليون يورو وليس أموالاً كاش للشركة.

ويأتي تبدل الموقف الإيراني رغم زيارة بشار الأسد لطهران في مايو/ أيار الماضي وما قيل على أثرها عن توقيع خط ائتمان بقيمة 3 مليارات دولار وفتح سورية أبواب الاستثمار بالقطاعات الحيوية أمام طهران (نفط، كهرباء وفوسفات).

ومن جانبه، يرى الاقتصادي السوري محمد حاج بكري أن "تبدل المواقف وملامح المصالحات بالمنطقة، ربما دفع إيران لإعادة النظر بشكل وجودها على الأراضي السورية، ولملمة مشاريعها ضمن قطاعات محددة ومضمونة الأرباح، أي ستغير طهران الأسلوب ولن تحيد عن الهدف والهيمنة"، لأن المرحلة المقبلة، برأي بكري، إذا صدقت إيران، ستكون جديدة بعد ما يقال عن وجود تمثيل عربي على الأرض السورية لمراقبة التدخلات الإقليمية.

ويضيف الاقتصادي السوري، متحدثا لـ"العربي الجديد"، أن ديون إيران على نظام الأسد، والمتزايدة بعد عودة توريد النفط والغاز، من بعد زيارة الوفد الإيراني لدمشق في نهاية العام الماضي، سيتم استردادها عبر الاستثمارات المتبقية، سواء أموال أو فوسفات ومنتجات زراعية وصناعية.

ولكن، يستدرك الاقتصادي السوري: لا أتوقع أن تلتزم إيران بوعودها، سواء لجهة المصالحة مع السعودية كما تم الإعلان من الصين في العاشر من الجاري، أو لجهة وجودها على الأرض السورية، مستشهداً بتنامي الوجود الإيراني بمناطق محددة وإقامة مشروعات أمنية وعسكرية ودفاعية طويلة الأمد، منها إنشاء شبكة دفاع جوي شاملة في سورية وهي التي تقصفها إسرائيل بشكل متكرر.

وتبقى ديون إيران على سورية "سرية للغاية"، حسب رئيس الائتلاف السورية المعارض السابق نصر الحريري.

وفي حين لم يحدد رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني حشمة الله فلاحت بيشه حجم الديون مكتفياً بالمطالبة بها قبل ثلاث سنوات قائلا: "نطالب حكومة بشار الأسد بإيفاء الديون المترتبة عليها لإيران"، يرى الحريري خلال حديثه لـ"العربي الجديد" أن الديون تزيد عن 50 مليار دولار بين خطوط ائتمان وثمن نفط وأسلحة وتعهدات مالية من نظام الأسد جراء التدخل الإيراني ورواتب للمليشيات.

ويشكك الحريري بصدق إيران في الانسحاب من التدخل بشؤون الدول العربية، كما تعهدت للسعودية والصين، لأن هدف إيران الاستراتيجي برأيه، هو إبقاء الفوضى بالمنطقة وإجهاض الحلول بسورية، وأرجع أسباب الانسحاب من بعض المشروعات والاتفاقات، إلى أنها خاسرة وتشتت الهدف الإيراني، بعد تبدل الاستراتيجية وفي ظل التطورات السياسية بالمنطقة.