علي بدوان

بات من شبه المؤكد التئام أعمال المؤتمر العام السابع لحركة فتح في التاسع والعشرين من تشرين الثاني 2016، بعد تأخر دام أكثر من ثلاث سنوات عن موعده الدوري، حيث عُقد آخر مؤتمر للحركة في مدينة بيت لحم بالضفة الغربية في آب عام 2009.
وجاء انعقاده بعد أن تأجل أكثر من مرة؛ رغم أن الظروف القائمة على ضرورة عقده من أجل وضع تصورات جديدة لإنقاذ الوضع الفتحاوي الداخلي وتجاوز المطبات القادمة أمام العمل الفلسطيني وترتيب أوضاع الحركة، وإغلاق الباب نهائياً على التدخلات الخارجية، خصوصاً المتعلقة بعودة محمد دحلان، وفقاً لمصادر من داخل البيت الفتحاوي.
ومن الواضح أن المؤتمر سيُعقد في جو من التوتر السياسي السائد في الساحة الفلسطينية نتيجة انسداد أفق العملية السياسية، واستمرار الانقسام الداخلي والتوتر التنظيمي داخل مؤسسات حركة فتح، وتدخل الرباعية العربية بالوضع الفتحاوي الداخلي، حيث بدت العناوين الإشكالية بارزة وصارخة في مسار الاجتماعات الفتحاوية الأخيرة للمجلس الثوري، وهو الهيئة القيادية الوسيطة بين اللجنة المركزية والمؤتمر العام، التي سبقها عقد لقاءات موسعة للأطر القيادية وللمجلس الاستشاري لحركة فتح الذي يضم «عتاولة» الحركة ووجوهها التاريخية.
اختبار الحالة الفتحاوية
إن أجواء التوتر، أو القلق في أحسن الأحوال، بدت مؤخراً بعد تصاعد الحديث عن ضغوط وتدخلات عربية من أجل إعادة المفصول محمد دحلان إلى صفوف حركة فتح، حيث جرى عرض ما عُرف بخطة «اللجنة الرباعية العربية» التي تضمنت الدعوة إلى وحدة حركة فتح من خلال إعادة المفصولين، وعلى رأسهم محمد دحلان. 
وهذا ما اعتبرته القاعدة التنظيمية لحركة فتح -بغالبيتها- تدخلاً مباشراً ومن الباب العريض في الشؤون الخاصة بالحركة، وهو ما أكدته وقائع الدعوة المصرية لمؤتمر «عين السخنة» الذي وقفت خلفه جهات مصرية متنفذة يعتقد البعض أنها المخابرات المصرية، والهدف من ذلك هو ترويج حضور محمد دحلان، وقياس المزاج العام للوضع في القطاع لمعرفة إمكانية تمرير مشروع «تسييد» محمد دحلان للموقع الأول في المنظمة وحركة فتح، فغالبية المدعوين إلى أعمال مؤتمر عين السخنة كانوا من القطاع ومن أنصار محمد دحلان.
وعليه، فإن المبادرة الأخيرة للجنة الرباعية العربية المتعلقة بحركة فتح لافتة للنظر، ولها خلفياتها وسياقاتها المُتعلقة بالوضع الفلسطيني ارتباطاً بالوضع العام في المنطقة. فلأول مرة تدخل أربع دول عربية (السعودية والإمارات والأردن ومصر) على خط الوضع الفتحاوي الداخلي من أبوابه العريضة، وتطالب الرئيس محمود عباس بإعادة لم شمل البيت الفتحاوي من خلال إعادة المفصولين عن جسم الحركة لعضويتها، والنظر في عودة عضو اللجنة المركزية المفصول محمد دحلان إلى موقعه في قيادة الحركة ولجنتها المركزية.
لقد بدا واضحاً أن الرئيس محمود عباس قائد حركة فتح وإن كان يستمع وينصت إلى نصائح أو مطالب الرباعية العربية بشأن إعادة محمد دحلان لحركة فتح، وبشأن أوضاع الحركة الداخلية، إلا أنه بدا في الوقت نفسه متصلباً داخل أروقة اللقاءات الفتحاوية، فجاء رفضه لعودة محمد دحلان مدعوماً ومسنوداً باللجنة المركزية للحركة، وقد حصل بالفعل على الدعم من بقية الأطر الحركية خلال الاجتماعات الأخيرة لأمناء الأقاليم والمجلس الثوري، وتبع ذلك قرار فصل القياديين الأربعة من المجلس الثوري كرسالة جوابية عملية إلى المتدخلين بالشؤون الفتحاوية وفق مصدر فتحاوي كبير، والمفصولون هم: توفيق أبو خوصة، نجاة أبو بكر، عدلي صادق، ونعيمة الشيخ. حيث فُصل اثنان منهم بسبب العلاقة التنظيمية التي تربطهم مع محمد دحلان، وبسبب «تَجَنُّح» اثنين آخرين منهم، وقد جرى توقيع قرار الفصل رسمياً ونشر ووزع على وسائل الإعلام، ويرجح كثيرون من داخل قيادة حركة فتح وكوادرها أن مسألة إعادة محمد دحلان لعضوية حركة فتح قد تم تجاوزها على الأقل في المرحلة الحالية.
من جانبها، توجست بعض الفصائل الفلسطينية ومن داخل منظمة التحرير الفلسطينية خيفة من تلك المبادرة، فالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (جورج حبش) قالت على لسان قيادي فيها إن المبادرة «أعدت بالخفاء في عواصم عدة وبمشاركة أيد فلسطينية، وهي خطة سياسية أمنية بامتياز لا تبتعد كثيراً عن أهداف الرباعية الدولية التي مارست الضغط والابتزاز على مدار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية». وأضافت أن «هذه الخطة العربية تتدخل بشكل فج في الوضع الفلسطيني الداخلي وفي أوضاع حركة فتح والسلطة الفلسطينية لتدفع بها نحو ركوب قطار التسوية والتطبيع المجاني».
وقف التدهور المريع
وعليه، فإن العناوين الأساسية الإشكالية المطروحة فتحاوياً في هذا الشأن على أعمال المؤتمر العام السابع لحركة فتح تأتي في سياق محاولات تقديم الإجابة عن عدد من الأسئلة المتعلقة بالمرحلة المقبلة، ومن بين تلك الأسئلة السؤال الأول، وهو الذي لم يستطع أحد طرحه بشكل مباشر، المُتعلق بالبديل الرئاسي حال غياب الرئيس محمود عباس -لأي سبب كان- في ظل الحديث الدائر خلف الكواليس عن محاولات بعض الأطراف العربية لفرض بديل محدد وبالاسم. 
والسؤال الثاني المتعلق بضرورة وقف التدهور المريع في مكانة حركة فتح داخلياً وخارجياً، بعدما أصابتها أمراض التكلس بعد تحولها لحزب سلطوي، وبروز أيديولوجيا المنافع والمكاسب في قطاعات منها، وهو ما يفترض على الحركة المبادرة لاجتراح خطاب سياسي وتنظيمي يعيد تواصلها مع الشعب في الداخل والشتات ومع جميع القوى على قاعدة الشراكة الوطنية.
والسؤال الثالث المتعلق بضرورة العمل من أجل انتشال حركة فتح من حالة التداخل القائمة بينها وبين السلطة، فقد خسرت حركة فتح كثيراً عندما ذابت كلياً في السلطة، لدرجة لم يعد المراقبون يميزون من أين تبدأ حركة فتح ومن أين تبدأ السلطة، ما أدى إلى فقدان حركة فتح كثيراً مما كان يُميزها.
وكخلاصة، فإن حركة فتح على المحك وأمام منعطف جديد، فأوضاعها الداخلية بحاجة إلى هزة أو خضة من أجل إعادة إحياء مؤسساتها وانتخاب قيادات وأطر جديدة لها بما في ذلك الموقع الأول في الحركة والسلطة، وترتيب أوضاعها أمام مرحلة صعبة تنتظر العمل الفلسطيني. فحركة فتح ليست شأناً خاصاً بأعضائها، فما تقرره وما لا تقرره لا يتعلق بها فقط، بل يلقي بآثاره على الوضع الفلسطيني برمته.