العدد 1330 / 26-9-2018

بقلم : محمد أبو رمان

يتجاوز الحديث عن الكونفدرالية الأردنية الفلسطينية اليوم (في الأوساط السياسية والإعلامية الأردنية) حدود الموقف الرسمي الأردني الرافض هذا الطرح، ابتداءً، قبل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والاعتراف بها دولياً، وربما يلخّص هذا الموقف السؤال الاستنكاري من الملك عبدالله الثاني، في لقاء مع سياسيين: كونفدرالية مع مين؟!

المطلوب اليوم، وفق ما تفهمه الأوساط السياسية الأردنية، هو حرفيّاً الغطاء الأردني لـ"تصفية القضية الفلسطينية"، مع وجود إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التي تهرول في هذا المسار، عبر الإعلان عن القدس بوصفها عاصمة لإسرائيل، ونزع صفة اللجوء عن اللاجئين الفلسطينيين، وإلغاء مكاتب منظمة التحرير، بمعنى عملية طمس كاملة للهوية والرموز الفلسطينية، وملفات الحل النهائي.

إذاً، الكونفدرالية هي اسم حركي لأن يتولّى ملف إدارة التجمعات الفلسطينية الموجودة في الضفة، والتي تحوّلت إلى "كانتونات" سكانية، بلا سيادة، مع توغّل المستوطنات والمستوطنين على المساحات الجغرافية.

إذا تجاوزنا الموقف الرسمي الواضح والمعلن، فإنّ قناعات النخب السياسية الأردنية اليوم تتمثّل في وجود أجندة أميركية وإسرائيلية حاسمة في موضوع إنهاء القضية الفلسطينية، وفي استقرار القناعة لدى اليمينيْن (الأميركي والإسرائيلي) بأنّ الأردن هو الحل المنطقي الوحيد للقضية الفلسطينية، والطرف الذي يمكن أن يكون بديلاً لمفهوم الدولة الوطنية الفلسطينية، عبر الصيغة الكونفدرالية التي تعني للأردنيين والفلسطينيين، في ظل المعطيات الراهنة، كلمةً واحدةً فقط، هي "الوطن البديل".

على السطح السياسي، وضمن المعادلات المنطقية، حتى في ظل الأجندات الأميركية والإسرائيلية اليمينية الراهنة، فلا يملك أحد أن يُجبر الأردنيين والفلسطينيين على مثل هذه الصيغة، خصوصا أنّ الرأي العام الأردني والفلسطيني حاسمٌ في المسألة. لكن، وهنا بيت القصيد، الخشية الحقيقية هي من وجود ضغوطٍ مختلفةٍ، ومن طرقٍ ملتويةٍ لتمرير هذا السيناريو، أو على الأقل تعبيد الطريق نحو تحقيقه.

تستبطن هذه الهواجس، أيضاً، تحوّلاً جوهرياً في الموقف الأميركي - الإسرائيلي من الأردن، في النظرة الاستراتيجية لدور الأردن وموقعه الجيو استراتيجي وأهميته السياسية. لذلك، تربط تحليلات النخب السياسية حالياً في عمّان بين الأزمة المالية - الاقتصادية الخانقة التي تشدّ الحبال حول عنق الدولة , ووجود أجندة لإجبار الأردن على تقديم تنازلاتٍ، قد لا تكون مباشرة وفورية في ما يتعلّق بهذا السيناريو، لكن على الأقل عدم الوقوف بصلابة ضد الضغوط الأميركية - الإسرائيلية التي تتم على السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس الذي يبدو وحيداً، مع المساندة الأردنية، في ظل الفراغ الاستراتيجي العربي، أو ربما المواقف الرسمية العربية المواربة!

الأخطر، كما يتم الهمس في عمّان، أن تمتد تلك الأجندة إلى محاولة التلاعب بالاستقرار السياسي، داخلياً، خصوصا في ظل أزمة اقتصادية - مالية لها تداعيات اجتماعية وسياسية، ومحاولات الحكومة المستميتة لتمرير قانونٍ جديد لضريبة الدخل، بضغطٍ من صندوق النقد الدولي، خشيةً الوصول إلى الانهيار الاقتصادي والمالي، في حال عجزت الحكومة الأردنية عن سداد ديونٍ هائلة مستحقة في بداية العام المقبل.

هذه المناخات الخطيرة، أردنياً، داخلياً وخارجياً، اقتصادياً وسياسياً ومجتمعياً، مع انقطاع المساعدات الخارجية، وتشدّد صندوق النقد الدولي الذي لا يعزله مسؤولون وسياسيون أردنيون عن تلك الأجندة، هي التي تهيمن اليوم على عمّان، وتخيّم على قراءة التسريبات عن الكونفدرالية، بوصفها ورقة الخروج من الأوضاع المقلقة الراهنة. وحتى لو أخذنا بفرضية وجود أجندة خطيرة، ليس فقط لتمرير الكونفدرالية رسمياً، بل للتلاعب بالاستقرار الداخلي الأردني، فإنّ الحاجز الحديدي الذي يقطع هذا المسار هو عدم وجود قبول نهائي له، شعبياً سواء لدى الأردنيين الذين يشعرون بالتهديد لهويتهم الوطنية والفلسطينيين الذين يدركون أنّ ذلك يعني نهاية الحلم الفلسطيني الوطني واختطافا خطيرا له.

البديل أمام الحكم في الأردن يتمثل في كلمتين اثنتين اليوم: الجبهة الداخلية، بمكوّناتها المختلفة، ما يعني ردّ الاعتبار إلى الشارع والرأي العام، واستدخال الشراكة الشعبية الحقيقية في عملية صنع القرار، كما فعل الملك الحسين في عام 1989، لتجاوز منعرج خطير مرّ به الأردن، فهذا هو الرد الوحيد على أي أجندة مفترضةٍ لزعزعة الاستقرار الداخلي.