جمال نصار

الغوطة الشرقية تقع بريف دمشق الشرقي، ويقطنها حالياً أكثر من 350 ألف مدني، تتعرض للقصف بشكل شبه يومي منذ خروجها عن سيطرة النظام السوري لصالح فصائل المعارضة عام 2012، إلا أن الأيام الأخيرة كانت الأكثر ضراوة من خلال «حرب إبادة» قُتل فيها أكثر من 500 إنسان، وإصابة أكثر من ألف آخرين، جرّاء قصف مستمر بأعتى أنواع الأسلحة التي تتغنى روسيا بتزويد النظام السوري بها، كجزء من حربها على ما يُسمى الإرهاب في سوريا! ناهيكم عن نقص حاد في المستلزمات الطبية الأولية، وتدمير 13 مشفى، تدعمها منظمة أطباء بلا حدود، ومراكز طبية أخرى، باستخدام الطيران الحربي والمدفعية وراجمات الصواريخ، التي خلّفت أطفالاً ونساء ورجالاً تحت الأنقاض، وبعضهم أصبح أشلاء، وهذا خرقٌ فاضح لجميع الاتفاقات والأعراف الدولية!
لم يتورع نظام الأسد الإجرامي عن استخدام الأسلحة المُحرمة دولياً، حسب ما ورد في موقع «BBC» عربي، حيث إن «السلطات الصحية التابعة للمعارضة السورية في منطقة الغوطة الشرقية أعلنت أن العديد من الأشخاص عانوا أعراضاً، تشبه أعراض استنشاق غاز الكلور السام، خلال القصف الجوي المستمر من جانب القوات الحكومية».
وقد رصدت عدسات قناة الجزيرة بعض المشاهد الإجرامية منها:
المشهد الأول: هذه عربين، رجال بخوذات بيض يتسلقون كومة من الدمار يرفعون من بين الحجارة أجساداً دامية، وغير بعيد رجل يقول، بعد أن قبّل جثة مكفّنة: «هذا يوم عرس ابني، لن نبكي. إذا كان بشار يريد أن نبكي فلن نبكي».
المشهد الثاني: دائماً في عربين، صوت شاب تخنقه العبرات: «حسبنا الله ونعم الوكيل يا أمي. أنا أنقذ العالم يا أمي وما أقدر أنقذك.. حسبنا الله ونعم الوكيل. الله يرحمك يا أمي..»، والأم هامدة هادئة تنعم في عالم آخر.
المشهد الثالث: طفل محمول والدماء تسيل من وجهه، يصرخ كأنه لا يحس بما هو فيه «أبي يا حبيبي» بصوت يقطعه البكاء.
المشهد الرابع من سقبا: صفائح إسمنتية ضخمة، يحاول رجال الدخول بينها، يتلاحق معه المشهد الخامس، حيث أكوام الحجارة تشهد على ما أصاب المكان من قوة تدميرية.. وهل يطيق البشر تحمل ما لم يتحمله الصخر؟!
هذه الصور والمشاهد المروّعة التي تنقلها وسائل الإعلام العالمية والعربية لمعاناة أهالي الغوطة، والعالم يتفرّج، يرى وكأنه لا يرى، ولك أيضاً أن تتصور وتتخيّل ما لم تلتقطه الكاميرات ولم يصل إليه المنقذون!
كل هذا يُوجب على كل إنسان في قلبه ذرّة من كرامة أن يتحرك بقدر استطاعته لإيقاف دوامة الدمار والاقتتال المستمر منذ سنوات في سوريا، التي راح ضحيتها مئات الآلاف من أبناء الشعب السوري، فضلاً عن تشريد عدة ملايين آخرين.
ركائز لمواجهة الظلم والطغيان
كل هذه المآسي التي تحدث في ديار المسلمين، لم تكن لتحدث لولا وجود الحكام المستبدين على رأس السلطة في المنطقة العربية، وخصوصاً في مصر وسوريا، حيث يسعون بكل السبل للقضاء على بارقة الأمل في الشعوب، وطمس هوية الأمة، وتدمير مقدراتها، وبيع أراضيها، واستباحتها للأعداء الغاصبين من الصهاينة والروس والأمريكان!
فالواجب الحقيقي على كل أفراد الأمة، وخصوصاً في مصر وسوريا، التفكير بشكل جدّي وعملي للتخلص من كل مستبد، والسعي لإزاحة الظالمين المستبدين، وتفكيك منظومتهم، وهذا لن يتأتى إلا بعد فهم القضايا التالية:
أولاً: ينبغي أن يفهم كل الناس أن الحرية مثل الماء والهواء، ولا يمكن الاستغناء عنها، فلا قيمة للإنسان بدون حرية، والله سبحانه وتعالى كرّمه بالعقل، وأنعم عليه بالحرية التي أرسل الرسل من أجلها. والدين يزدهر في ظل الحرية، والإسلام هو في جوهره ثورة تحررية شاملة؛ ثورة في العقيدة تحرر الإنسان من كل عبودية إلا لله سبحانه وتعالى، وألّا يكون عبداً للدرهم والدينار، أو عبداً لشهواته وغرائزه. فهذه الحرية النفسية، والروحية، والاجتماعية، وفي كل العبادات يظهر مفهوم الحرية في أسمى معانيها.
ثانياً: امتلاك الإرادة، بمعنى أن يُصبح لدى الإنسان إرادة حقيقية في الوقوف ضد الظالمين، والقول لهم: لا، فالحرية هي أن تمتلك إرادتك وتكون قادراً على أن تقرر في شأنك مهماً كانت الضغوط من حولك، والتحديات التي تواجهك، وبقدر ما تزيد عبوديتنا لله بقدر ما نمتلك إرادتنا أكثر. ولذلك، أعظم المجاهدين وأشجعهم الانسان الذي تدرّب في مدرسة الإسلام على الحرية، يعتقد أن الموت والحياة والرزق بيد الله سبحانه وتعالى، وليس بيد عدوه.
ثالثاً: لا بدّ أن نعلم أن النظم المستبدة تتناقض مع العقيدة؛ لأنها تجعل من الحكام آلهة، فالنموذج الذي حاربه القرآن ورماه بكل سهم هو النموذج الفرعوني، مقابل النموذج النبوي، الذي يجعل السلطة للأمة في إطار قيم الإسلام، هذا النموذج كان في الحقيقة غريباً على الثقافة السائدة في العالم. وهذا درس بالنسبة إلى ثوراتنا اليوم بأن تحذر من إدارة الاستبداد في منطقتنا العربية، وتقوم ثقافتها على الطاعة المطلقة للحاكم المستبد، ولذلك نحتاج باستمرار إلى تجديد الثورة، وإلى الوعي بأن لكل ثورة ثورة مضادة تعرقل مسيرتها.
رابعاً: التطبيق العملي لخيرية الأمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: >كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ< آل عمران: 110.
ولذلك ينبغي للمسلم أن يكون إيجابياً في هذا الكون، فاعلاً لا متفرِّجاً، فالذي يليق به كمسلم أن يكون مؤثراً في هذا العالم فاعلاً فيه، من خلال مواجهة الاستبداد والظلم، كل حسب استطاعته. فحكم الاستبداد مصدر كل البلاء في الأمة، والإسلام لا يتعايش مع الاستبداد لأنهما نقيضان، ولا يمكن تحرير الأوطان والمقدسات إلا بإزاحة الاستبداد والفساد.
خامساً: لا بدّ أن نعلم أن أفضل الجهاد هو إزاحة الطغاة والجبارين، وتحرير إرادة الأمة من العبودية لغير الله، وتحرير النفس لتكون متحررة من الشوائب، ورسالة الإسلام الأساسية هي تحرير البشرية من الطغيان بكل أنواعه، الطغيان السياسي، والطغيان الاقتصادي، والطغيان الإعلامي، والطغيان الفكري، لأن الله سبحانه وتعالى فطر الناس على الخير، فإذا تحرر الناس من الاستبداد، فسيكونون سعداء في الدنيا والآخرة.
كل ذلك يكون من خلال بذل كل واحد مِنّا ما يستطيعه في مجال عمله، وتخصصه الذي يبرع فيه، لكي تكون هذه المفاهيم والقضايا هي المحرك للجميع، والدافع للتخلص من براثن الجهل وجموح الطغيان في عالمنا العربي.}