حازم عياد

تمكنت المعارضة السورية من إيصال رسالة قوية الى روسيا والنظام السوري من خلال شنها هجوماً خاطفاً في دمشق طاول كراج العباسيين، واقترب من قلب دمشق القديمة؛ وترافق مع هجوم مماثل في ريف حماة، مربكاً الجهود الروسية وثقة النظام بالقدرة على فرض إرادته على خصومه في مفاوضات الأستانة؛ مسألة أكدها عصام الريس، عضو الوفد السوري المعارض في أستانا.
الهجوم لم يتوقف بعد، مهدداً بالتقدم باتجاه ملعب العباسيين وفتح جبهات جديدة ترهق قوات النظام وتزيد إرباكها؛ ومن الممكن أن تشجع على شن هجمات مماثلة في مدينة حلب وريفها لإيصال رسائل مماثلة؛ مزعزعة ثقة الروس وحلفائهم في تمرير برنامجهم السياسي الذي بلغ حد اقتراح دستور أعده خبراء روس دون التشاور مع أحد، مذكراً بدستور بريمر في العراق.
في المجمل ليس من المتوقع أن يستمر الهجوم بذات الزخم والقوة، وإن حدث فستكون تلك مفاجأة حقيقية ومذهلة لكل الأطراف المنخرطة في المعادلة السورية؛ خصوصاً أن الهجوم تبع لقاء ولي العهد الثاني محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي ترامب؛ منذراً بإمكانية حدوث تصعيد كبير في الجبهة اليمنية وليس السورية؛ إلا أن التصعيد كان مباغتاً وبقوة في دمشق، مذكراً أمريكا وروسيا بوجود المعارضة السورية في وقت تنشغل فيه الدولتان باسترضاء الأكراد الانفصاليين؛ وفي وقت انشغل فيه حزب الله بإعداد الخطط المستقبلية لآلية انسحابه أو إعادة انتشاره في سوريا.
فالنزعة الانسحابية لدى إيران وحزب الله من سوريا توحي بإمكانية توسع النفوذ الروسي على حساب إيران ومليشياتها؛ مثيراً مزيداً من القلق لدى الكيان الإسرائيلي بإمكانية بدء جولة جديدة من المواجهة مع حزب الله في لبنان؛ فإسرائيل تعد آخر المستفيدين من انسحاب حزب الله الذي بات هدفاً سهلاً في سوريا، ميزة لا يرغب قادة ما يسمى الجيش الإسرائيلي بفقدانها.
الملف السوري من أعقد الملفات السياسية والعسكرية؛ فحسابات الأطراف متناقضة ومتعارضة، فما يعد نصراً على جبهة وفائدة للقوى الدولية، يعد هزيمة وخطراً كبيراً على جبهة أخرى ولذات القوى الإقليمية والدولية، فهي مفارقة قوية (Paradox) يصعب السيطرة عليها.
وأخيرا فإن أهم الرسائل التي نقلها هجوم دمشق كانت تنص على أن روسيا لا تستطيع وحدها أن تفرض إرادتها في سوريا بالمطلق؛ وإن تبخر هذا الوهم مسألة باتت واضحة أمام التطورات الميدانية على الأرض السورية، فاليوم دمشق وغداً قد تكون حلب ليزداد حجم الحرج الروسي؛ بل قد يمتد الى بنغازي وطرابلس بعد غد..